«كورونوفوبيا»

- ‎فيمقالات

الـ«كورنوفوبيا»: حالة من الخوف غير المبرر من ذوى الملامح الصينية خصوصًا، والآسيوية عمومًا، على أثر الجائحة، بعد ظهور أول حالة من «كورونا» فى مدينة «ووهان» الصينية فى (31/12/2019)، وما ترتب على ذلك من تنمر لأبناء هذا العرق، على مستوى العالم، حتى قُدِّر عدد الطلاب الصينيين المبتعثين الذين عادوا إلى بلدهم بنحو (100) ألف طالب من أمريكا وحدها، والذين لم يأمنوا على حياتهم بعد اعتداءات وقعت على بعضهم، وبعدما حفلت وسائل التواصل بالتعليقات التى تحرض ضدهم.

وقد تمددت الـ«كورنوفوبيا» لتصبح أثرًا نفسيًّا من آثار الجائحة العديدة التى تعانيها شعوب المعمورة الآن، وسوف تعانيها مستقبلًا، فيما يُعرف بـ«سيكولوجية الأوبئة»، والتى أفرد لها علماء النفس أبوابًا فى مقارباتهم؛ فإبان الوباء يصير «الجميع عدو الجميع»، وتتغير أنماط العلاقة المجتمعية حتى بين أفراد العائلة الواحدة، ويتعدى ذلك إلى تغيرات فى التركيبة النفسية للشعوب لأجيال كاملة.

والأمر ليس بعيدًا عنا؛ فقد رأينا -ولا نزال- سلوكات غريبة، على المستويين الفردى والعائلى؛ جرّاء القلق الذى يسيطر على النفوس وخوف الإصابة، حتى قيل (إن القلق من «كورونا» صار أخطر من الوباء نفسه). ومنذ اعتبرت «منظمة الصحة العالمية» كورونا جائحة عالمية فى (11 مارس 2020) والشعوب، على تنوعها وتباعدها، أصابها الفزع الأكبر، وزاد هذا الفزع حتى صار كزلزال مدمر بعدما أُغلقت المطارات، وتوقف الإنتاج، وتحولت مدن عُرفت بالصخب المتواصل مثل لندن وباريس وغيرهما إلى مدن أشباح، وقد جلس الجميع ينتظر الموت، فى حالة تُعرف فى علم النفس باسم «الهوس الجماعى»، وهو ما لم تفعله الحروب التى مهما كانت التدميرات الناتجة عنها فهى لا تطال أرجاء المعمورة كافة كما فعلت «كورونا».

ومناسبة هذا الكلام أن دول العالم سوانا يعكف علماؤها وأطباؤها الآن على دراسة الآثار النفسية للجائحة، وطرق علاجها، والعودة لما قبلها؛ بتفعيل برامج التأهيل للمضارين، مرضى وأقرباء، وتوفير معلومات صحية ونفسية وسلوكية تساعد فى التعافى والخروج من الأزمة، وطرح مبادرات رسمية وشعبية لاحتواء تلك الآثار وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبلها؛ ولئلا تنتج حالة ما يُعرف بـ«اللايقين» التى تحدث عادة بسبب تقصير الجهات الرسمية عن القيام بدورها، أو لعدم الشعور بالتكافل أو الدعم المجتمعى.

إن ترك الأمور دون النظر فى آثارها قد يخلِّف عواقب وخيمة؛ حيث تُقدر نسبة الذين لا يعودون إلى حياتهم الطبيعية بعد انتهاء الجائحة ويحتاجون الدعم بنحو (15%) من المجتمع، خصوصًا من فقدوا وظائفهم أثناءها، فهم الأكثر عُرضة للتردى الصحى والأمراض النفسجسمية، يزيد هذا الأمر عند من فقدوا أحبة فيكونون عُرضة للحزن المتواصل واضطراب النوم والغضب السريع وعدم النجاة من الكوابيس، ويزداد الأمر سوءًا عند المرضى النفسيين من الأساس أو من لديهم جانب وراثى لأمراض بعينها مثل الوسواس.

وفى دول متحضرة لم يكتفوا بمعالجة المشكلة على العموم، بل تطرقوا إلى معالجة جوانب فرعية متعلقة بها؛ فقد وُجد مثلًا فى بعض دول أوربا أن الجائحة رافقها ارتفاع فى نسبة الانتحار بين كبار السن الذين مروا على «الحجر الصحى»، فطالبت الدراسات بمراجعة الكبار الذين زارهم المرض والتأكد من خلوهم من «الاكتئاب»، و«الأرق» و«اضطراب ما بعد الصدمة»، وإعادتهم لحياتهم الاجتماعية السابقة، ولتوازنهم النفسى، وتناسى صعوبات التباعد، وترميم العلاقات العائلية والمجتمعية.

لا نطالب كما يطالب البعض بالاستفادة من تلك الأجواء الوبائية وما ترتب عليها: أدبيًّا وفنيًّا وفكريًّا وسياسيًّا وعسكريًّا؛ إذ لا يحق لمثلنا مثل هذا الترف وقد عُدم المئات «أنبوبة أكسجين» تنقذ حياتهم فماتوا على أسرَّة العزل المتهالكة يشكون ظلم المسئولين -إنما نطالب، والخطاب موجه للوطنيين والأحرار، بالنظر فيما قدمتُ؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولدفع الضر عن بائسين يائسين، وكذلك الاستفادة من المحنة. ونحن فى هذا لسنا أقل من دول عربية لم يتعد عمرها عدة عقود، بادرت باتخاذ الإجراءات وعمل الدراسات التى تجعلها فى مصاف الدول الحريصة على شعبها وبنيها.