“الإندبندنت”: إثيوبيا نجحت في فرض الأمر الواقع ومصر قد تخسر مستقبلها

- ‎فيأخبار

نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية تقريرا سلطت خلاله الضوء على تطورات أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، عقب إعلان أديس أبابا بدء الملء الثاني وتوجه ومصر والسودان لمجلس الأمن.

وقال التقرير الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة"، إن "المفاوضات الأبدية" مع إثيوبيا، كما يحب الكثيرون في مصر والسودان أن يطلقوا عليها، لا تبدو قريبة من نهايتها، ومع استمرار ارتفاع منسوب المياه ببطء خلف جدران سد النهضة الإثيوبي الضخم على النيل الأزرق، يزداد الإحباط بين المسؤولين في دولتي المصب".

وبحسب التقرير، تقول إثيوبيا إن "السد ضروري لتوليد الكهرباء وتحسين حياة سكانها البالغ عددهم 115 مليون نسمة،  ويعيش الكثير منهم في الظلام، وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه من النيل الأزرق التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، في حين أن السودان لديه مخاوف بشأن تنظيم تدفق المياه إلى سدوده".

وأضاف التقرير أن "السد الكبير الذي تبلغ تكلفته 4.8 مليار دولار يمتد على مجرى النهر قبل بضعة أميال من الحدود السودانية، وبمجرد أن يمتلأ الخزان، فإنه سيخلق بحيرة صناعية تبلغ مساحتها 74 مليار متر مكعب من المياه  أكبر من لندن الكبرى، ويهدف ضغط المياه إلى تزويد 16 توربينا بالطاقة، تخطط إثيوبيا لتوليد 000 6 آلاف ميجاوات من الكهرباء منها".

وأوضح التقرير أن "إثيوبيا بدأت المرحلة الأولى من ملء السد في عام 2020، وكانت الحكومة قد أعلنت الأسبوع الماضي عن بدء المرحلة الثانية، الأمر الذي أثار غضب القاهرة والخرطوم اللتين ترغبان في التوصل إلى اتفاق ملزم قانونا بشأن ملء وتشغيل السد أولا قبل الشروع في عملية الملء الثانية"، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" إن "بلاده ستتقدم وتملأ السد من دون توقيع الاتفاق".

اتهامات متبادلة

كانت هناك تبادلات غاضبة حول مائدة مجلس الأمن الدولي على شكل هلال يوم الخميس، وحذر وزير الخارجية في حكومة الانقلاب سامح شكري، بصوت ساخط، من أنه إذا تعرضت حقوق مصر في المياه وبقائها للخطر، "فلن يبقى أمامها بديل سوى الحفاظ على أمنها وحماية حقها الأصيل في الحياة الذي تضمنه قوانين وعادات الأمم وضرورات الطبيعة"، وأشارت نظيرته السودانية مريم الصادق المهدي إلى قدرة إثيوبيا الأحادية الجانب على تهديد أمن وسلامة المواطنين السودانيين.

وزعم عبد الفتاح السيسي في مارس من أنه "لا يمكن لأحد أن يأخذ قطرة ماء واحدة من مصر، ومن يريد أن يجرب، فليجرب".

وكانت مصر والسودان وقعتا اتفاقا عسكريا في مارس الماضي إثر زيارة قام بها قائد الجيش المصري إلى الخرطوم، وفي يونيو  سعت الدولتان إلى الضغط على أديس أبابا عندما أجرتا تدريبات عسكرية واسعة النطاق بالقرب من حدودهما.

وفي وقت لاحق، قررت مصر والسودان اللجوء إلى مجلس الأمن، وهم يحاولون إيجاد مخرج من المأزق الحالي ورأت إثيوبيا في القرار خطوة لإحباط وساطة الاتحاد الإفريقي التي دامت عاما. ويقول المحللون إن "عدم تحرك مجلس الأمن يكشف أن البلدين يزدادان يأسا".

وحتى الآن، ثبت أن تحويل المواجهة حول السد إلى نزاع دولي مهمة شاقة وفي يوم الخميس، لم يبدِ أعضاء مجلس الأمن أي ميل للعب دور محوري في المفاوضات وأكدوا مجددا دعمهم لجهود الاتحاد الإفريقي للتوصل إلى اتفاق، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن إثيوبيا سرعان ما واجهت البلدين في المصب بواقع لا رجعة فيه من خلال بدء أيام التعبئة قبل اجتماع المجلس، حتى إن فاسيلي نيبينزيا، مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة، أصدر تحذيرا صريحا لمصر والسودان من "تصعيد خطاب المواجهة"، مؤكدا أن "بلاده لا ترى سوى سبيل  المفاوضات  للمضي قدما، وقال لقد عقدت أديس أبابا العزم على المضي قدما في ملء السد، مهما كان ما يقوله مجلس الأمن".

صدمة المسؤولين المصريين

وقال محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية السابق، لصحيفة الإندبندنت إن "الاتحاد الإفريقي منظمة خاملة"، وأضاف "أنها غير قادرة على الضغط على إثيوبيا للحصول على تنازلات"، وبعد كل هذه الأشهر، لم تصدر تقريرا يشرح الأسباب الكامنة وراء الجمود ولهذا السبب قررت مصر والسودان التوجه إلى مجلس الأمن".

ووصف علام تصريحات نيبينزيا بأنها "صادمة" للمسؤولين المصريين الذين كانوا يأملون في الحصول على موقف أكثر دعما من موسكو، نظرا للعلاقات الدافئة بين البلدين.

لكن الولايات المتحدة، كما يعتقد مسؤولون في مصر والسودان، هي الدولة الوحيدة القادرة على المساعدة في التوصل إلى اتفاق نهائي. وفي فبراير من العام الماضي، انسحبت إثيوبيا من جولة مفاوضات في واشنطن نظمها مساعدو ترامب وفي أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، أعلن ترامب أن مصر قد "تفجّر" السد، وهو البيان الذي أحدث صدمة في جميع أنحاء أفريقيا.

وذهب علام إلى أبعد من ذلك لرفض أي حديث عن وساطة أمريكية، وقال مبتسما "لا اعتقد حتى إن هناك وساطة أمريكية"، لكن ضحكات السيد علام الساخرة تخفي شعورا متزايدا بعدم الارتياح، وينبع هذا الشعور من الواقع الكئيب بأن الجمود يعني أن الخيارات الدبلوماسية بين مصر والسودان تنفد.

وأكد علام أن مصر "ليس لديها خيار متبقي سوى فرض الأمر الواقع، وإلا ستخسر النزاع" بل "إنها ستخسر مستقبلها".

فرض الأمر الواقع

بدوره قال مارتن بلاوت الزميل في معهد دراسات الكومنولث في لندن "عندما انعقد الاجتماع الخميس واجه الأمر الواقع".

وأضاف بلاوت " إن المجلس لن يكون قادرا على القيام بالكثير حيث إنه منقسم وليس له تاريخ في التعامل مع الصراعات المائية ، كما أن دعم الصين وروسيا لإثيوبيا يسلب أي إمكانية لاتخاذ ثلاث دول على ضفاف النهر أي موقف مشترك قريبا ".

وقال وليام دافيسون، أحد كبار المحللين عن إثيوبيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن "الاتفاق كان في متناول الدول الثلاث لكنه تعثر على نقطتين رئيسيتين شائكتين، كمية المياه التي ستطلقها إثيوبيا من السد في حالة الجفاف، ومسألة حل المنازعات خاصة أن إثيوبيا ترفض التحكيم الدولي الذي أصرت عليه مصر والسودان".

وعينت إدارة بايدن الدبلوماسي المخضرم والمشهور جيفري فيلتمان مبعوثا خاصا للقرن الإفريقي، وحتى الآن، واصلت واشنطن الضغط على حكومة "أحمد" للانسحاب من المواقع الرئيسية في الحرب الأهلية الدائرة في مقاطعة تيجراي الإثيوبية الشمالية، حيث يفهم على نطاق واسع أن الجيش الإثيوبي، بدعم من القوات الإريترية، ارتكب مجازر ضد بعض المدنيين الستة ملايين.

ولكن فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، تبدو إدارة بايدن مترددة في استخدام ثقلها وجاذبيتها لممارسة ما يكفي من الضغط على أي متنازع.

لا إستراتيجية واضحة لأمريكا

وقال محمد سليمان الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن إن "واشنطن لا تملك إستراتيجية واضحة للنيل"، وأضاف أن "الأولوية الرئيسية للولايات المتحدة هي ببساطة منع أي تصعيد عسكري بين الدول الثلاث يُعرّض سكانها البالغ عددهم 250 مليون نسمة للخطر".

وأكد أن "أي زعزعة إضافية لاستقرار شرق أفريقيا والقرن الإفريقي هي خط أحمر بالنسبة لواشنطن حيث إنها ستبعث في النهاية بصدمة في جميع أنحاء القارة الإفريقية وتؤثر على أمن البحر الأحمر المرتبط بالأمن القومي الأمريكي في أفريقيا".

وأشار إلى أن "الأمن في المنطقة في حالة يُرثى لها بالفعل وإلى جانب نزاع تيجراي، اتجهت القوات المسلحة والميليشيات من إثيوبيا والسودان نحو حرب شاملة على منطقة الفشقة المتنازع عليها في وقت سابق من هذا العام وهذا يعني أن آبي أحمد الذي فاز في الانتخابات العامة بفوز ساحق وفقا للنتائج الرسمية التي أعلنت في نهاية الأسبوع يجلس على برميل بارود من الحرب الأهلية وعدم الاستقرار الاجتماعي والنزاعات الحدودية واقتصاد ينهار تحت عجلات كوفيد – 19.

وفي مواجهة هذا الواقع الكئيب، يضع جميع الإثيوبيين آمالهم على سد النهضة كحلم يمكن أن يغير حياتهم، مشاعر قوية يبدو أن أحمد مصمم على الاستفادة منها ومن خلال تأجيج صعود الحملة القومية وراء مشروع السد، يعتقد أحمد أنه قد يكون قادرا على توحيد أمة على حافة التفكك التام.

الخيار العسكري في مهب الريح

وأوضح "أن الصراع في تيجراي وعدم الاستقرار السياسى بشكل عام يجعلان الحكومة ترى في الجمعية نقطة تجمع مفيدة لبلد منقسم يواجه تحديات وهذا يجعل من غير المحتمل بشكل خاص أن تقدم إثيوبيا أي تنازلات الآن لم تكن على استعداد للتنازل عنها من قبل".

وتابع "إن مصر والسودان إما أن تُنشطا اتفاقهما العسكري في مارس وإما تشنان نوعا من الغارة على السد أو أن تقبلا الحل الأحادي الجانب لإثيوبيا لتنظيم مياه النيل الأزرق ومن الصعب رؤية أي بديل".

وأشار أشوك سوين إلى أنه " في الوقت الحالي، بالرغم من أن الخيار العسكري مازال أقل احتمالا، إلا أنه لا يمكن استبعاده ".

ولكن المشاعر السائدة في اجتماع مجلس الأمن ربما وضعت أي استعدادات عسكرية لمصر والسودان في مهب الريح.

 

https://www.independent.co.uk/news/world/africa/ethiopia-nile-dam-egypt-sudan-b1882378.html