في برهان جديد على أن نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي ما أطلق ما تسمى بالإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في 11 سبتمبر 2021م إلا من أجل تحسين صورة النظام المشوهة على المستوى الدولي وخصوصا لاسترضاء الإدارة الأمريكية الديمقراطية التي خلفت اليمني المتطرف دونالد ترامب الذي كان لا يكتفي بالصمت على انتهاكات السيسي الوحشية لحقوق الإنسان، بل كان يشجعه ويحرضه وأطلق عليه ديكتاتوره المفضل، كشفت منظمة "كوميتي فور جستس"، في تقرير نشرته بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر) أن الواقع المرصود على الأرض في مصر بعد 100 يوم من إطلاق الاستراتيجية، يؤكد على أنها "لم تتعد كونها حبرا على ورق". ورصدت المنظمة، خلال 100 يوم مضت، انتهاكات تشريعية وحقوقية وإعدامات بشكل جماعي، مؤكدة على حدوث 1046 اعتقالا تعسفيا بـ10 محافظات، و187 حالة اختفاء قسري.
وفي سبتمبر 2021م أقام السيسي احتفالا ضخما لإطلاق هذه الإستراتيجية؛ الأمر الذي اعتبره مقال "رأي الأهرام" يوم الإثنين 13 سبتمبر برهانا على أن هذه الإستراتيجية تناظر المشروعات القومية الكبرى التي يحضر السيسي مناسبات افتتاحها!
واجهت هذه الإستراتيجية حتى قبل إطلاقها عقبات كبيرة، جعلت صياغة الوثيقة خالية من أي عمق حقيقي لمفهوم حقوق الإنسان لا سيما فيما يتعلق بتوجهات النظام نفسه والتي تحمي الضباط المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه السيسي في تسريب سابق أواخر 2013م بأن أي ضابط يطلق النار على متظاهرين لن يحاكم. وقد نشرت شبكة رصد تسريبا للسيسي خلال اجتماعه بعدد من قيادات الجيش والشرطة (جرى في أواخر 2013 على الأرجح) حيث قال السيسي إن ما تم تجاه الشرطة خلال العامين الماضيين قد أفرز مناخا جديدا وأكد أن الضابط الذي سيتسبب في قتل متظاهر أو إصابته في عينه بإطلاق قنابل الغاز أو الخرطوش لن يحاكم. مشيرا إلى أن المتظاهرين باتوا يدركون ذلك. وخلال السنوات الماضية ارتكب النظام عشرات المذابح الجماعية وقتل آلاف الأبرياء ومارس ــ ولا يزال ــ انتهاكات وحشية لم يسبق لها مثيل؛ ولم يقدم ضابط واحد للمحاكمة على هذه كل هذه الجرائم!
من جهة ثانية، فخلال المائة يوم الماضية منذ إطلاق هذه الإستراتيجية برهنت إجراءات النظام وممارساته على أنه ينظر إلى الشكل في هذه الاستراتيجية وليس الجوهر، بمعنى أنه يركز على تسويق هذه الاستراتجية على المستوى الخارجي لتكون أداة من أداة النظام في تبييض صورته السوداء أمام الحكومات والعواصم الغربية التي تنتقد باستمرار ملف نظام السيسي في حقوق الإنسان دون أن يصاحب ذلك انفراجة حقيقية في الملف الحقوقي على المستوى المحلي؛ يبرهن على ذلك أن النقاشات التي دارت حول هذه الاستراتيجية في مجلس النواب والشيوخ قبل إطلاقها اهتمت بالشكل دون الجوهر وأهملت بشكل كبير اهتمامات الجماعة الحقوقية والنشطاء السياسيين والمدنيين، وركّزت أكثر على "شكل الاستراتيجية" وطريقة تسويقها وترويجها في الخارج. وهو ما برهنت عليه ممارسات النظام خلال الشهور الثلاثة الماضية.
من جهة ثالثة، بعد مرور مائة يوم، تأكد للجميع أن هذه الإستراتيجية استندت إلى تشخيص خاطئ ومضلل بالتغاضي عن ممارسات الدولة -بأجهزتها المختلفة- المناهضة للقانون، ومن ثم وصلت إلى نتائج خاطئة ومضللة بدورها». فحين تطرقت للتحديات خلت من ممارسات أجهزة الدولة المنافية في أغلبها للدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية. وبالتالي فإن هذه الإستراتيجية الحكومية تتناسى عمدا الحقائق الكبرى وهي غياب دولة القانون وعدم احترامه أو احترام قواعد إعمال العدالة، ليس فقط من قِبل الأجهزة التنفيذية في الحكومة، ولا سيما وزارة الداخلية، بل أيضًا النائب العام. فجانب كبير من الانتهاكات، أو التحديات كما يُطلقون عليها، هي سلب حرية الآلاف بناءً على تحريات أمنية مُلفقة في أغلبها، بل أقوال مُرسلة في الكثير منها، ثم تجاوز الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، وظاهرة التدوير البغيضة التي يتحمل مسؤوليتها النائب العام تحديدًا، والتجديد الورقي المنافي للقانون».
من جة رابعة فإن نظام السيسي وتحت لافتة "حقوق الإنسان الشاملة" التي جرى ذكرها كثيرا في وثيقة الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان إنما كان يستهدف مغازلة الغرب من جهة بالحديث عن حقوق المرأة والأقليات وحرية الإلحاد، ومن جهة أخرى يسعى إلى سحق كل معنى حقيقي وجاد لحقوق الإنسان، ومن خلال تحليل مضامين الوثيقة التي استندت إلى تصورات السيسي المشوهة عن حقوق الإنسان فإن الحديث عن «المفهوم الشامل» لحقوق الإنسان إنما هو إجراء يستهدف به الهروب من انتهاكاته الجسيمة وملفه المتخم بالجرائم؛ وكلماته حول أهمية الحقوق الاقتصادية باعتبارها من حقوق الإنسان الذي لا بد أن تتصدر جهود الحقوقيين من قبيل الحق الذي يراد به باطل؛ صحيح أن الحقوق الاقتصادية من ضمن حقوق الإنسان، وأنه لا حقوق للإنسان من دون مساواة وعدالة في توزيع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لكن هذا ليس مبررا لانتهاكات حقوق الإنسان والقتل خارج إطار القانون وتكميم الأفواه وتلفيق القضايا، وانعدام العدالة والمساواة، والزج بعشرات الآلاف من العلماء والمفكرين والدعاة إلى الله وشباب الثورة في السجون والمعتقلات بتهم سياسة ملفقة لا دليل عليها سوى تحريات أجهزته الأمنية.
وقبل عامين، أظهر تحليل أجرته "رويترز" لبيانات وزارة الداخلية المصرية، أن 465 رجلا قُتلوا في الفترة من أول يوليو/تموز 2015 حتى نهاية 2018، خارج إطار القانون، أي تمت تصفيتهم وإعدامهم بدم بارد، دون محاكمة. وتقول تقارير الخارجية الأمريكية عن حقوق الانسان في مصر، إن انتهاكات نظام "السيسي" شملت القتل التعسفي أو خارج نطاق القانون على أيدي الحكومة أو رجالها والإخفاء القسري والتعذيب. كذلك تجاوز عدد المواقع الإخبارية والحقوقية المحجوبة بمصر، بحسب مراصد صحفية وحقوقية 600 موقع، ما دفع مصر إلى احتلال المرتبة 166 على مؤشر حرية الصحافة من إجمالي 180 دولة، عن عام 2020، وفق تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود".
