الهروب من المعارك الحقيقية وتضخيم الانتصارات الوهمية.. قراءة في لقاء أردوغان بالسيسي

- ‎فيتقارير

الألة الإعلامية لنظام الدكتاتور المنقلب   عبدالفتاح السيسي في كل معالجتها للمصافحة التي جرت الأحد 20 نوفمبر 2022م بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسيسى  على هامش حفل  افتتاح كأس العالم بقطر تنظر إلى هذه  المصافحة واللقاء الذي جرى لاحقا  باعتباره انتصارا عظيما للسيسي ونظامه،  وإقرارا من  زعيم كبير بحجم أردوغان لشرعية نظام السيسي.

الصورة التي التقطتها كاميرات المصورين وعدسات الصحافيين تبعث رسالة واضحة لا لبس فيها؛ فأهم دولتين عارضتا انقلاب السيسي في يوليو 2013م (تركيا وقطر)، باتا  في حالة تطبيع مفتوح مع نظام الجنرال؛ الأمر الذي يعني أن الخلافات والاشتباكات الإعلامية التي تصاعدت خلال السنوات التي تلت الانقلاب قد ولت؛ وأن المنطقة تدخل مرحلة جديدة؛ فالمكان الذي كان يجلس فيه الأمير القطري تميم بن حمد آل ثان، ضم إلى جانبه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ودكتاتور مصر السيسي، ونائب رئيس الإمارات وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والعاهل الأردني عبدالله الثاني، والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، و رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، وغيرهم. وكان لافتا غياب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد وإفادة نائبه حاكم دبي.

الرسالة الأبرز في معالجات الآلة الإعلامية للنظام العسكري أن هذه الصورة وهذا المشهد برهان على انتصار السيسي ونظامه؛ فأعداؤه يقرون بشرعيته ويتصالحون معه؛ لكن فات هؤلاء أن السيسي حريص كل الحرص على تطبيع العلاقات مع قطر وتركيا لأسباب سياسية واقتصادية؛ فالسيسي يريد علاقات   أكثر قوة مع قطر من أجل فتح جبهة دعم ومساعدات جديدة للحصول على قروض وودائع  تمنع النظام من السقوط وقد وضعت قطر بالفعل نحو أربع مليارات دولار ي البنك المركزي المصري خلال الشهور الماضية من 2022م. وتذهب تقديرات إلى أن الهدف من تطبيع العلاقات مع قطر وتركيا هو تحقيق شيء من التوازن في السياسة الخارجية المصرية، ومحاولة من السيسي للإفلات من الدائرة التي تفرضها عليه الإمارات وحاكمها محمد بن زايد  صاحب النفوذ الواسع على القاهرة؛ وبالتالي فالسيسي يسعى إلى  تنويع الاستثمار الخليجي بحيث يصبح هناك توازن وعدم أفضلية، وتم تدعيم هذا التوجه مع الدوحة من خلال السفير المصري بدرجة وزير مفوض، أي إن له صلاحيات توقيع عقود الاتفاقيات بشكل مباشر”. بينما تسعى الدوحة إلى التقرب أكثر من النظام في مصر في سياق صراع المحاور من أجل استمالته إلى محور السعودية وتضييق الخناق على النفوذ الإماراتي في مصر”. وقد يستهدف السيسي  بالتطبيع مع قطر وتركيا الضغط على الحليف الإماراتي ومساومته بقطر لا سيما في ظل المواقف الإماراتية الغريبة في ملف سد النهضة.

بهذا التناول الإعلامي وقراءة اللقاء بين السيسي وأردوغان على هذا النحو فإن النظام وآلته الإعلامية لا يزالون حريصين على تضخيم الانتصارات الوهمية؛ فتنظيم مصر مؤتمر المناخ العالمي (كوب 27) هو تقدير لمكانة النظام ورسالة دعم ومساندة من الأمم المتحدة ذاتها، ولقاء السيسي بأردوغان برعاية ووساطة قطرية  تصب في ذات الهدف ؛ لكن كل هذه  في ميزان التنمية والنجاح تعتبر انتصارات وهمية؛ يعمل النظام وآلته الإعلامية على تضخيمها؛ فماذا عن الحروب الحقيقية؟

ماذا عن  التنمية ومعدلات الإنتاج؟ وماذا عن التدهور الحاد في مستويات المعيشة وسقوط عشرات الملايين تحت خط الفقر؟  وماذا عن معركة سد النهضة وحماية أمن مصر المائي والغذائي؟ وماذا عن إقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي  يحتوي الجميع ويسمح بتداول سلمي حقيقي للسلطة؟ وماذا عن معركة الإنسانية وإقامة العدل في البلاد؟  هل تنتصر  سلطة تزج بعشرات الآلاف من أبناء شعبها في السجون ظلما؟! وهل تنهض أمة وعلماؤها في السجون والمعتقلات بتهم ملفقة بالغة الكيدية والتزييف؟! وماذا عن تراجع قيمة الجنيه أمام كل عملات الأرض؟ وماذا عن معركة الديون حيث تضخمت ديون مصر في عهد السيسي إلى مستويات مرعبة وغير متصورة؟

هذه هي المعارك الحقيقية التي خسرها النظام بالضربة القاضية؛ فلا هو أقام نظاما سياسيا قابلا للحياة والاستمرار، ولا هو أنشأ اقتصادا قويا يقوم على الإنتاج والقضاء على البطالة وتحسين مستويات المعيشة، ولا هو استطاع أن يحمي الأمن القومي المصري في ملف المياه ولا هو تمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء؛ فسعر الخبز في مصر أعلى من أسعاره في أمريكا وأوروبا؛ بعدما ارتفع سعر طن الدقيق في مصر بنحو ألفي جنيه عن السعر العالمي  بعد تراجع قيمة الجنيه بعد التعويم الأخير في أكتوبر 2022م.  وخسر النظام كذلك بالضربة القاضية في حماية التراب الوطني؛ ففرط في سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير، ومنح الاحتلال الإسرائيلي انتصارا  هائلا  دون أن يطلق رصاصة واحدة؛ فقد بات له حق المرور من مضيق تيران المصري  دون الحصول على إذن لأنه بالتفريط في  تيران وصنافير تحول إلى مضيق دولي وليس مضيقا مصريا خالصا كما كان على الدوام منذ فجر التاريخ.

 

موقف الإخوان

بلغت شماتة إعلاميي النظام في الإخوان مداها بعد المصافحة بين أردوغان والسيسي؛ وقد علق المذيع الأمنجي أحمد موسى على الصورة  قائلاً: “صورة أبكت جماعة الإخوان (الإر…)، وأبكت عناصر الإخوان المشردين حول الأرض”. وأضاف عبر فضائية “صدى البلد” المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين المقرب من الأجهزة الأمنية: “لا عزاء للجماعة (الإر..) عندما رأوا هذه الصورة، لأنّها مصافحة تاريخية بين الرئيسين السيسي وأردوغان، ومصر قوية عفية”. من جانبه، ذكر الباحث والمحلل المتخصص في الشأن التركي كرم سعيد، للمصدر ذاته، أنّ المصافحة التاريخية تحمل عدة دلالات: أولها انكسار جبل الجليد بين مصر وتركيا، الدلالة الثانية يبدو أنّ كلا البلدين لديهما رغبة في حل القضايا الخلافية والملفات الشائكة بينهما، والدلالة الثالثة برأيه أنّ “تركيا ومصر ربما سيمضيان في الفترة المقبلة إلى تعزيز مشاريعهما المشتركة في المجال الاقتصادي وتعزيز فرص التقارب السياسي بينهما، خاصة أنّ هناك رؤية مشتركة حيال بعض قضايا الإقليم، وأنّ هناك قضايا خلافية فيما يتعلق بالملف الليبي.

فات هؤلاء أن الإخوان لا يعلقون مصيرهم بأي ملك أو رئيس؛ إنما يسلمون أمرهم لله رب العالمين؛ وبالتالي فإن الجماعة رغم احترامها الكبير لكل من الأمير القطري الرئيس التركي، وإقرارها بأن علاقة الجماعة بهذه الدول لا تعني مطلقا  الإضرار بمصالح هذه الدول وفقا لتقديرات الموقف التي تعهدها حكومات وأجهزة هذه الدول، فالجماعة تقدر مواقف هذه الدول وفي ذات الوقت لا تعارض ولا يحق لها التدخل في العلاقات الخارجية لهذه الدول؛ ويكفي أن هذه الدول آوت الآلاف من قادة الجماعة وعناصرها وشبابها ووفرت لهم ملاذا آمنا في ظل الإرهاب والطغيان العسكري الذي يقوده السيسي ونظامه واجهزته.

أما حول مستقبل الجماعة في ظل تقارب العلاقات بين السيسي وأردوغان؛ فإن الجماعة رغم إيمانها بما يحكم علاقتها بهذه الدول (قطر وتركيا) من قيم أخلاقية ودينية وسياسية، إلا أنها تبحث عن ملاذات أخرى توقعا لأي احتمالات قادمة؛ ليس بالضرورة العلاقة بين انقرة والقاهرة، بل هناك احتمال آخر يتعلق باحتمال خسارة الرئيس التركي وحزبه الانتخابات القادمة في ظل  الأزمة الاقتصادية  العالمية التي تضرب العالم بشدة.