لهذه الأسباب فاز أردوغان رغم الدعم الأمريكي للمرشح العلماني

- ‎فيعربي ودولي

فوز الرئيس رجب طيب أردوغان (69 سنة) بولاية رئاسية جديدة لمدة خمس  سنوات في جولة  الإعادة التي جرت الأحد 28 مايو 2023م، بنحو(52.87%) من الأصوات مقابل (47.13%) لمنافسه كمال كليجدار أوغلو، يمثل صدمة في أوساط العلمانيين على مستوى العالم، كما يمثل صدمة للأوساط الغربية في الولايات المتحدة الأمريكية والعواصم الأوروبية الكبرى (باريس ـ لندن ـ برلين).

وتنافس في هذه الجولة الثانية كل من المرشح عن تحالف "الجمهور" الرئيس رجب طيب أردوغان، والمرشح عن تحالف "الشعب" زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو. وشهدت تركيا تنظيم الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى في تاريخها الحديث، عقب إخفاق المرشحين في الحصول على نسبة (50% + صوت واحد) بالجولة الأولى التي جرت في 14 مايو2023م.

فوز أردوغان كان متوقعا بعد الإعلان عن نتائج الجولة الأولى حين حصل على 49.5% من الأصوات، بينما حصل منافسه المرشح العلماني على  أقل من 45%؛ وكان معنى ذلك أن أردوغان كان يحتاج في جولة الإعادة إلى أقل من 1% فقط  للفوز بولاية رئاسية جديدة لمدة خمس سنوات تنتهي في منتصف 2028م. وعزز من فرص فوز  أردوغان أن المرشح الخاسر الذي حل في المركز الثالث سنان أوغان، وهو من غلاة القوميين، أعلن أنه يؤيد أردوغان على أساس مبدأ "النضال المستمر (ضد) الإرهاب"، في إشارة إلى الجماعات الموالية للأكراد. علما بأن أوغان حصل على 5.17% من الأصوات. في المقابل أعلن القومي المتطرف زعيم حزب الظفر المناهض للهجرة أوميت أوزداغ، عن دعم حزبه لكليجدار أوغلو، بعد أن قال إنه سيعيد المهاجرين إلى أوطانهم. وفاز حزب الظفر بنسبة 2.2% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي أجريت هذا الشهر.

النتيجة تكاد تتطابق مع توقعات الاستطلاع الذي أجرته شركة كوندا للأبحاث والاستشارات وكشفت فيه أن نسبة التأييد المتوقعة لأردوغان في جولة الإعادة ستكون 52.7% مقابل 47.3% لكليجدار أوغلو بعد توزيع الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم. وأجري استطلاع الرأي يومي 20 و21 من مايو قبل أن يعلن أوغان وأوزداغ موقفيهما.

 

صدمة العلمانيين

وحتى ندرك أبعاد الصدمة يكفي قراءة مضامين تصريحات كمال كليجدار أوغلو بعد خسارته؛ حيث قال إنه "يشعر بالحزن لأن هناك مضايقات تنتظر البلاد"، دون أن يوضح ماهية هذه المضايقات المحتملة والجهات التي تقف وراءها. وأضاف مخاطبا أنصاره المنكسرين: «"أطلب منكم أن لا تترددوا في الدفاع عن الديمقراطية وقد رأينا مرحلة انتخابية غير عادلة»، دون تفاصيل. ووبرر كليجدار أوغلو ترشحه للرئاسة بالقول: ما كان بوسعي أن أتغاضى على أن يتم انتهاك حقوقكم. وتابع أنه في هذه الانتخابات "تجلت إرادة الشعب في التغيير وسنستمر في النضال لإحلال الديمقراطية"، وفق تعبيره.

الملاحظ أن أوغلو لم يهنئ الرئيس أردوغان بالفوز، ولم يعترف بالهزيمة بشكل صريح وشكك في نزاهة العملية الانتخابية بالتلميح لا بالتصريح، لكنه لو كان يمتلك خرقا واحدا في مسار الانتخابات لما تردد لحظة واحدة في كشفه وفضحه واستغلاله.

 

استثمار تضاؤل النفوذ الأمريكي

وحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية فإن أردوغان استفاد بذكاء من  تضاؤل النفوذ العالمي للولايات المتحدة باتباع سياسة خارجية مستقلة دائما تعزز مصلحة بلاده، والتي غالبا ما تتعارض مع مصلحة واشنطن. ونجح، بسلسلة من التوغلات العسكرية، في تقويض المشروع الأميركي لإقامة حكم ذاتي كردي في سوريا، والذي اعتبرته أنقرة مسألة أمن قومي.

 في هذا السياق، يرى على دمرداش، دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كارولينا الجنوبية، في مقال نشرته مجلة "ناشونال إنترست" (National Interest) أن لامبالاة واشنطن لأمن تركيا جعلت أردوغان يمضي قدما في صفقة أنظمة الدفاع الجوي الروسية "إس-400" (S-400). وفي شرق البحر الأبيض المتوسط الغني بالطاقة، تبنى مفهوم "الوطن الأزرق"، الذي يرسم الحدود البحرية لتركيا من منظور بري. وحسب المقال فإن المرشح الرئاسي كمال كليجدار أوغلو (خصم أردوغان) مصمم، بالرغم من ذلك، على التراجع عن مكاسب أردوغان المتصورة في السياسة الخارجية. ويعتبر فصائل وحدات حماية الشعب الكردية "الوطنيين الذين يحاولون إنقاذ وطنهم".

من أسباب فوز  أردوغان أيضا  ما يتمته به الرئيس التركي من كاريزما  طاغية، مقابل ضعف المرشح العلماني المنافس؛ رغم مشاكل الاقتصاد واللاجئين التي ابتليت بها حملة أردوغان، فبعض أنصار تحالف الأمة العلماني الذي يضم ستة أحزاب كانوا يعتقدون بأن كليجدار أوغلو ليس كفئا لمنافسة أردوغان وشخصا عرضة للخطأ.فقد أشار إلى المحافظات على أنها "دول" ينبغي لتركيا أن تنخرط معها في التجارة. ولم يستطع قراءة أول سطرين من النشيد الوطني التركي!  علاوة على ذلك فإن أوغلو خسر 11 مرة ضد أردوغان في السنوات الـ13 الماضية. ومع ذلك يصر على البقاء على رأس حزب الشعب الجمهوري، حتى أن المشاهير المناهضين لأردوغان وكذلك الناخبين الشباب نظموا مسيرات حاملين لافتات مكتوب فيها "أرجوك كليجدار أوغلو، لا تترشح".

 

التبعية لواشنطن

بعض مواقف المرشح العلماني أدت إلى خسارته؛ فقد بدا كسياسي مؤيد للغرب من دون تحفظ ومستعد لتحقيق كل ما تمليه الولايات المتحدة وأوروبا. وبدا لكثير من الأتراك أنه بصدد إعادة تركيا إلى التبعية للغرب من جديد بعدما تمكن اردوغان من تحقيق قدر لا يستهان به من الاستقلالية لبلاده عن السياسات الغربية حتى تحولت فعلا إلى قوة إقليمية مؤثرة في  السياسة الدولة وعضو فاعل في حل كثير من المشاكل والأزمات الدولية على غرار الموقف التركي من الحرب في أكرانيا. هذه المواقف استفزت القوميين الأتراك الذين يعتقدون أن واشنطن والاتحاد الأوروبي هما سبب مشاكل تركيا، لا سيما في ما يتعلق بإرهاب حزب العمال الكردستاني.

كذلك الموقف من إرهاب حزب العمال الكردستاني، فقد تصادم أوغلو مع غالبية الأتراك الذين اعتبروا مغازلة كليجدار أوغلوا لحزب اليسار الأخضر تهديدا وجوديا للجمهورية، إذ ينظر للحزب على نطاق واسع بأنه الامتداد السياسي لحزب العمال الكردستاني. كما أن محاولاته لمناشدة أنصار فتح الله غولن، المتهم الوقوف خلف محاولة الانقلاب التركية عام 2016، أضرت أكثر بفرصه.

وكان الرئيس الأمريكي جو بادين قد صرح برغبته في إحداث تغيير شامل للنخبة السياسية الحاكمة في تركيا، قائلًا إن هذا التغيير الذي يريد رؤيته يمر عبر صناديق الاقتراع، وهي الرسالة التي اعتبرت دعما رسميا أمريكيا مفتوحا للمعارضة العلمانية ومرشحها التوافقي كليجدار أوغلو، والرهان على قدرتها لتحقيق الفوز في الانتخابات، وحث الأتراك للتصويت لها. وبدأ الموقف الأمريكي أكثر وضوحا حين تم الكشف عن قيام طاقم السفارة الأمريكية في أنقرة بالتدخل لرأب صدع المعارضة بعد أن أعلنت ميرال أكشنار رئيسة حزب الجيد رفضها قبول كمال كيليشدار أوغلو كمرشح توافقي، وانسحابها من الطاولة السداسية، ليتزايد بعدها التدخل الأمريكي الفاعل لدعم المعارضة، وذلك بعد وصول الفريق الإعلامي والترويجي الذي تولى حملة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى أنقرة، وقيامه بمهمة الترويج لشخصيات المعارضة التي كانت تخوض السباق الانتخابي. ولم يتوقف الدعم الأمريكي عند هذا الحد، بل تخطاه بالزيارة العلنية التي قام بها سفير واشنطن لدى أنقرة إلى مقر حزب الشعب الجمهوري، واجتماعه الثنائي المغلق مع كيليشار أوغلو، وهو التصرف الذي عقّب عليه الرئيس أردوغان، محذرًا السفير الأمريكي من مغبة تخطي الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها، وعدم الخروج عن مهام وظيفته في تعاملاته داخل تركيا.

الخلاصة أن هزيمة أوغلو هي هزيمة لواشنطن والغرب عموما لإصرارهم على أن تبقى تركيا علمانية تابعة في كل سياستها ومواقفها لواشنطن والغرب عموما كما كانت من قبل منذ عهد الدكتاتور مصطفى كمال أتاتورك حتى ما قبل حكم العدالة والتنمية في 2002م.