بعد ثلاثة أشهر من حربها ضد حماس، أعلنت حكومة الاحتلال عن نيتها الاستيلاء على ممر فيلادلفيا، وهو شريط ضيق يبلغ طوله 8.7 ميل يمتد على طول الحدود بين غزة ومصر، ومن شأن السيطرة على القطاع أن تسمح لدولة الاحتلال بمنع إعادة تسليح حماس بعد الحرب، والتي يبدو أنها هربت الكثير من ترسانتها عبر شبه جزيرة سيناء، بحسب تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي”.
وقال التقرير: إنه “من المرجح أيضا أن يثير الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد للممر غضب عبد الفتاح السيسي، وفي حين حافظ السيسي على علاقات جيدة جدا مع الاحتلال بما في ذلك التعاون التكتيكي العميق لمكافحة الإرهاب في سيناء، إلا أن الزعيم الاستبدادي كان مؤخرا متحمسا بشكل غير عادي للرأي العام المصري بشأن غزة”.
وأضاف التقرير أنه من المؤكد أن القضية الفلسطينية يتردد صداها إلى حد كبير في مصر، وقد مكنه دعم السيسي الخطابي للفلسطينيين من المضي قدما في الشارع، وتوجيه الغضب الشعبي، ومن المرجح أن يعزز شعبيته المتضائلة خلال أزمة اقتصادية محلية عميقة يحمله العديد من المصريين المسؤولية عنها، كما أن الاضطرابات في الشحن في البحر الأحمر المرتبطة بالحرب بين الاحتلال وحماس لها تأثير كبير على إيرادات قناة السويس، مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل المالية في مصر، لأي سبب من الأسباب، يتحدث السيسي عن غزة كثيرا، وفي الأشهر الأخيرة رعى مسيرات وحتى مظاهرة جماهيرية نادرة لدعم الفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن السيسي لا يكن لديه عاطفة كبيرة تجاه حماس، الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين التي تحكم غزة، شنت سلطات الانقلاب حملة قمع على فرع الإخوان المسلمين الخاص بها في عام 2013، حيث قتل أكثر من 1000 من أعضاء الجماعة في يوم دموي واحد، ومنذ ذلك الحين، بنى السيسي ما يقرب من ثلاثين سجنا جديدا لسجن الأعضاء المتبقين وغيرهم من معارضي النظام، ومع ذلك، ومثل العديد من نظرائه الإقليميين، يواصل السيسي التعبيرعن دعمه القوي لغزة.
وخلال مسيرة رعتها الحكومة من أجل القضية الفلسطينية في القاهرة في نوفمبر، تعهد السيسي بالولاء لمصر، وقال: “كان قراري حازما، أي أن أكون في طليعة مؤيدي إخواننا في فلسطين، وأن أتصدر العمل من أجلهم بحكم تاريخها وجغرافيتها، قدر لمصر أن تكون العمود الفقري في دعم نضال الشعب الفلسطيني”.
ومن خلال تقديم هذا الدعم المعلن، كانت القاهرة واضحة بشأن ما لن تفعله للفلسطينيين، أولا وقبل كل شيء، لن تكون مصر مكانا فلسطينيا في المنفى، وقد عرف السيسي أي طرد إسرائيلي للفلسطينيين من غزة إلى مصر بأنه خط أحمر، كما أعلن أن حدود مصر لن تفتح للسماح بدخول الفلسطينيين النازحين بسبب العنف، ومع ذلك، كانت مصر أقل وضوحا بشأن ما ستفعله فعليا بشكل استباقي للفلسطينيين.
والأهم من ذلك اليوم، أن مصر تعمل كنقطة انطلاق لمئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية التي تعبر إلى غزة، كما ألمحت القاهرة إلى أنها قد تشارك في خطة أمريكية لم يتم تحديدها بعد لإنشاء قوة عربية لتحقيق الاستقرار في غزة بعد الحرب، ومن شأن مساهمة مصرية في وحدة لحفظ السلام أن تكون بادرة مفيدة على نحو غير عادي خلال فترة انتقالية من المؤكد أنها ستكون صعبة.
لكن هذا ليس سوى جزء مما يجب أن تفعله القاهرة لدعم الفلسطينيين بمجرد انتهاء الحرب.
كان هجوم حماس في 7 أكتوبر بحق مدنيين إسرائيليين بشكل أساسي علامة فارقة في إجراءات الطلاق الجارية بين الاحتلال وغزة، وعلى الرغم من أن دولة الاحتلال أنهت رسميا احتلالها لغزة في عام 2005، إلا أنها استمرت حتى وقت قريب في تزويد القطاع بالمياه والكهرباء وفرص العمل، في الواقع، في 6 أكتوبر، كان ما يقرب من 18,500 فلسطيني من غزة يعملون في دولة الاحتلال، ثاني أكبر مصدر للعمالة الفلسطينية بعد الحكومة التي تقودها حماس.
وبغض النظر عما إذا كانت التسوية السياسية الإسرائيلية الفلسطينية ستتحقق في نهاية المطاف، فمن غير المرجح أن يحصل الفلسطينيون من غزة على تصاريح للعمل في دولة الاحتلال مرة أخرى خاصة بعد ظهور تقارير تفيد بأن عمالا من غزة ربما قدموا معلومات استخباراتية عن الكيبوتسات والمنشآت العسكرية إلى حماس قبل الهجوم، في أوائل نوفمبر، أفيد أن قطاع البناء الإسرائيلي قدم التماسا إلى حكومة الاحتلال للسماح للشركات بتوظيف ما يصل إلى 100,000 هندي ليحلوا محل العمال الفلسطينيين من كل من غزة والضفة الغربية، وفي أعقاب هجوم حماس، علقت دولة الاحتلال أيضا بيع الكهرباء والمياه إلى غزة، استؤنفت إمدادات المياه، ولكن من غير الواضح إلى متى؟
بعد الحرب، قد تكون دولة الاحتلال متحفظة على مواصلة العمل كالمعتاد، مفضلة بدلا من ذلك قطع جميع العلاقات مع القطاع المضطرب.
وهنا يأتي دور مصر، إن الاقتصاد المصري الهزيل يحول دون إمكانية تقديم مساهمات مالية للفلسطينيين في غزة، ولكن إذا تم الاكتتاب من قبل الخليج، فهناك الكثير الذي يمكن للسيسي القيام به لدعم غزة ما بعد حماس، وربما حتى الاستفادة من مصر على طول الطريق.
هناك مساحة واسعة في شبه جزيرة سيناء، على سبيل المثال، لبناء منشأة لتحلية المياه ومحطة لتوليد الكهرباء لتلبية احتياجات غزة، ومثل دولة الاحتلال، يمكن لمصر أن تبيع هذه الكهرباء والمياه للفلسطينيين.
يمكن لمصر أيضا مساعدة العمال الفلسطينيين من خلال توفير تصاريح عمل يومية، في البداية ، يمكن لهؤلاء العمال المشاركة في بناء هذه المرافق، وفي وقت لاحق، ربما، تمكنوا من العثور على عمل في مناطق اقتصادية جديدة تقع في سيناء بالقرب من رفح، ويمكن لواشنطن أن تحفز هذه المبادرة من خلال إنشاء مناطق صناعية مؤهلة مثل تلك التي أنشئت بعد اتفاقات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن، لتصنيع المنتجات من المواد المصرية التي تم تجميعها بالعمالة الفلسطينية وبيعها معفاة من الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وإلى جانب هذه المساعدة، يمكن أن توافق مصر على تدريب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، إذا طلب منها ذلك، والتي تأمل واشنطن أن تملأ الفراغ بعد هزيمة حماس في نهاية المطاف، وهناك احتمال آخر مفيد ومربح للقاهرة يتمثل في إتاحة الفرصة لشركات البناء المصرية لتكون في طليعة إعادة إعمار غزة.
منذ نهاية الاحتلال المصري لغزة في عام 1967، اقتصر الانخراط المصري مع القطاع إلى حد كبير على الوساطة السياسية والعمليات الاستخباراتية، تقدم أزمة حماس لمصر فرصة لضرب عصفورين بحجر واحد، لا يمكن لمصر فقط أن تلعب دورا رائدا في مساعدة الفلسطينيين، ومن خلال لعب دور مثمر في غزة ما بعد الحرب، يمكن للسيسي أيضا أن يخفف من حدة انتقاداته في الكونغرس الأمريكي، بما في ذلك إعادة انتخابه في ديسمبر، وهي منافسة تعتبر على نطاق واسع غير حرة ولا نزيهة.
وفي حين أن السيسي يريد بشكل مفهوم تجنب أن ينظر إليه على أنه متواطئ في تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم، فإن مصر هي الدولة العربية الوحيدة المتاخمة لغزة، ولم يعد بإمكانها أن تعفي نفسها بشكل معقول من أي مسؤولية عن إخوانها المعلنين، يتحدث السيسي كثيرا عن دعم الفلسطينيين، مع انتقال الحرب في غزة إلى مرحلة أقل حدة، حان الوقت لمصر للتحرك.
رابط التقرير: هنا