الأنيميا المنجلية وفقر الدم يحصدان أرواح أهالي الواحات البحرية وسط إهمال وتكتم حكومة السيسي

- ‎فيتقارير

على بعد 350 كيلومترا جنوب القاهرة، تتواجد  مدينة الواحات البحرية التابعة لمحافظة الجيزة، التي يعاني سكانها من انتشار أمراض الدم بأنواعها المختلفة، كما أثبت إحصاء أجرته مديرية الصحة بالمدينة، العام الماضي، وجود الجين المُسبب للأنيميا المنجلية لدى الآلاف منهم.

 

وفي مستشفي المدينة المتردي والمحدود، تتواجد العديد من حالات الأنيميا المنجلية تجري عمليات نقل دم بالمستشفى، بالإضافة إلى محاولات مديرية الشؤون الصحية بالجيزة بالتعاون مع المجتمع المدني توفير الأجهزة والمستلزمات للمستشفى الذي يفتقر إلى كثير من المعدات والأطباء واحتياجات المرضى، حسب أهالي المدينة.

 

الأنيميا المنجلية

 

وينتشر مرض الأنيميا المنجلية في المدن والمحافظات التي يكثر بها زواج الأقارب وذلك وفقا لوزارة الصحة، ومن بين المدن التي بها نسبة انتشار ملحوظة رصدتها وزارة الصحة، سواء للمرضى أو حاملي المرض، مدينة الواحات البحرية.

 

الأنيميا المنجلية، وتسمى أيضا فقر الدم المنجلي، هو مرض وراثي؛ اضطراب ينتمي إلى مجموعة من الاضطرابات تُعرف باسم مرض الخلايا المنجلية، وتؤثر هذه الحالة في شكل خلايا الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين إلى كل أجزاء الجسم، حسب وزارة الصحة والسكان.

 

عادة ما تكون خلايا الدم الحمراء مستديرة ومرنة، الأمر الذي يسهل حركتها في الأوعية الدموية، لكن في حال الإصابة بفقر خلايا الدم المنجلية تتخذ خلايا الدم الحمراء شكل منجل هلال، وتصبح صلبة ولزجة أيضا، ما يبطئ تدفق الدم أو قد يمنعه.

 

ووفق أطباء، لا يوجد علاج شاف للمصابين بفقر الدم المنجلي، لكن بعض العلاجات تُخفف الألم وتساعد في الوقاية من المضاعفات المصاحبة للمرض.

 

تظهر مؤشرات فقر الدم المنجلي وأعراضه عادة في عمر 6 أشهر تقريبا، وقد تتغير بمرور الوقت، كما أنها تختلف من شخص لآخر، وأعراضها هي فقر الدم، حيث تتكسر الخلايا المنجلية بسهولة وتموت، تعيش خلايا الدم الحمراء عادة لمدة 120 يوما تقريبا قبل استبدالها، لكن الخلايا المنجلية عادة ما تموت خلال 10-20 يوما؛ مما يؤدي إلى نقص خلايا الدم الحمراء/فقر الدم.

 

ودون وجود عدد كاف من خلايا الدم الحمراء، لا يستطيع الجسم الحصول على ما يكفيه من الأكسجين، ما يتسبب في الشعور بالإرهاق.

 

حياة ناقصة

وتمنع الأنيميا المنجلية أطفال الواحات البحرية من أن يعيشوا طفولتهم، إذ لا يستطيع المصابون من اللعب أو الحركة، إذ يؤدي المجهود والحركة إلى تكسير خلايا الدم.

 

كما يغير المرض أسلوب حياة الأسر بالكامل، إذ إن المرض مزمن ولا علاج له، ويحتاج المريض لبيئة ملائمة،  بجانب عدم التعرض لأي عدوى ولو بسيطة، كالأنفلونزا، فيحتاج المريض لنقل دم.

 

وبحتاج المريض إلى متابعة دورية ونظام علاجي يومي ونظام غذائي خاص لدعم المناعة، تصاحِب المرض نوبات ألم دورية، تُسَمى أزمات الألم، تختلف شدتها وقد تستمر لبضع ساعات أو أيام، ويمر بعض الأشخاص بأزمات الألم على مدار أعوام، بينما يتعرض البعض الآخر لعشرات الأزمات في العام الواحد، وتتطلب أزمة الألم الشديدة الإقامة في المستشفى.

 

كما يعاني بعض المراهقين والبالغين المصابين بالمرض من ألم مزمن، قد ينتج عن تلف العظام والمفاصل والقرح وأسباب أخرى.

 

ذلك يجعل من الالتزام بنشاط يومي كالذهاب للمدرسة أمرا بالغ الصعوبة، وبالتالي تصنفهم الدولة ضمن مرضى الدم والنخاع.

 

ووفق شهادات أهالي الواحات البحرية، نقلتها بعض التقارير الأخبارية،  فإن أطفال الأنيميا المنجلية يصعب عليهم الاختلاط، حتى لايصابون بأي عدوى أخرى،  قد تستلزم شهور من العلاج بالمستشفى، وهو ما يحرمهم من التعليم ومن ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.

 

تدهور حالة المستشفى

 

ورغم انتشار المرض الكارثي بالمنطقة، يعاني مستشفى الواحات البحرية المركزي من نقص الأجهزة، علاوة على نقص الخدمات الطبية داخل المدينة التي يبلغ تعدادها 44232 نسمة وفقا لسجلات إدارة تنظيم الأسرة.

 

يعتاد ولي أمر المريض مراقبته دائما؛ ملامح وجهه وحركته، أي تغير يعني أنه يحتاج لنقل دم، أما الكارثة، فإنه لا يوجد في مدينة الواحات البحرية تخصص أمراض دم أو عيادات خاصة لأمراض الدم، هذه التخصصات تزور المدينة مرة في الشهر، وهو ما يضطر الأهالي نقل المصابين إلى القاهرة، هي مسافة كبيرة جدا وتستلزم الإقامة عدة أيام بالقاهرة، ما يزيد تكاليف حياة أسر المصابين.

 

وزادت أعداد المصابين بالمرض في المدينة خلال السنوات الماضية، وهو ما أكدته الدكتورة أماني الصياد مديرة إدارة تنظيم الأسرة بوزارة الصحة بمحافظة الجيزة، في تصريحات صحفية، اعتمادا على إحصائيات مديرية الإدارة الصحية بالمحافظة، وعللت ذلك بقولها: “ارتفاع نسب زواج الأقارب في الواحات البحرية تسبب في وجود ضعف جيني للأجيال الجديدة، وبالتالي ظهر هذا المرض الوراثي بشكل ملحوظ في المدينة”.

 

ووفقا لمسح أجرته وزارة الصحة هناك 25 ألفا من أبناء الواحات البحرية مصابون بأمراض الدم، فكل الأسر إما لديها مريض أو حامل للمرض.

 

وحسب آخر إحصاء أجرته وزارة الصحة بالمدينة، يوجد 14 ألف حامل للمرض، من بين من خضعوا للفحص، كما يوجد 936 مريضا بالأنيميا المنجلية.

 

ويمكن لحامل المرض نقله لأطفاله، إذ يمكن للشخص السليم أن يتزوج شخصا حاملا للمرض، ولكن لا يفضل زواج شخصين حاملَين للمرض، لأن ذلك سينتج عنه أطفال مرضى بالأنيميا المنجلية بشكل مؤكد.

 

ووفق شهادات طبية، يرجع السبب في الإصابة إلى عدم الاهتمام بتحاليل ما قبل الزواج التي تكشف عن أن المقبلين على الزواج حاملي للمرض من عدمه، وهو أمر شائع في عموم مصر، إذ يجري شراء الشهادات أو الحصول على تقرير صورية مقابل أموال فقط.

 

ويروي س ح من سكان الواحات البحرية فقد أخته وأخاه، بسبب الأنيميا المنجلية في واحدة من نوبات انخفاض مستوى كرات الدم الحمراء لديهما، وفوجئ بإصابة أخته الثالثة بالأنيميا وهي في السادسة والعشرين من عمرها، وتضطر سنويا إلى تأجيل امتحاناتها في كلية الأداب بجامعة حلوان، بسبب المرض ووجودها بشكل شبه دائم في المستشفى.

 

 

ضعف الإمكانيات

يغطي التأمين الصحي تكاليف علاج المرضى، لكن حسب إحصائية مديرية الصحة لا يستفيد منه سوى 116 مريضا فقط فيما يعالج 820 آخرون خارج التأمين.

 

فيما يعاني  المستشفى المركزي بالواحات، الموجود بمدينة الباويطي، من ضعف التجهيزات الطبية، وعدم وجود أجهزة تحاليل الدم، كما يعاني المستشفى من نقص شديد في عدد الأطباء في التخصصات المختلفة والحيوية.

 

نقل الدم أزمة أخرى

 

ويحتاج الطفل إلى كيس دم يحتوي على كرات دم حمراء فقط، وفي مدينة الواحات يزود بنك الدم بالأكياس من الخارج، ما يتطلب الانتظار أحيانا لساعات حتى توفير الدم، حتى التبرع بالدم يكون غير مُجدي،  لأن عملية الفصل لا تتم بالواحات، إنما بالقاهرة.

 

ووفق المسئولين بالواحات، فإن بنك الدم الموجود بالمستشفى المركزي، هو الوحيد بالمنطقة، وللأسف هو تخزيني وليس بنكا تجميعيا، وفي حالة عدم وجود كيس دم مناسب يُنقل المريض بسيارة إسعاف إلى أقرب مستشفى وهو في مدينة 6 أكتوبر بالجيزة.

 

وهكذا يعيش سكان الواحات البحرية حياتهم بصعوبة وفي ظل مخاطر محتدمة تحوط بهم، دون تدخل من الدولة، التي لا ترى هؤلاء السكان، غير الواقعين على خط السياحة أو المناطق الواعدة، التي يجب تطويرها والاهتمام بها، لجذب مستثمرين يشترونها ويضخون الدولارات في جيوب النظام ولواءته.