يعاني مئات التجار وأصحاب المحال التجارية في الإسكندرية من بلدوزر المنقلب السفيه السيسي، الذي يطاردهم ليلا ونهارا، بلا توقف وفي كل مكان، بلا رحمة.
وبدأت أزمة أصحاب محلات ميدان المساجد أبو العباس، في مارس 2023، حينما أعلنت محافظة الإسكندرية عن مشروع لتطوير ميدان المساجد بتكلفة تصل إلى نحو 271 مليون جنيه، وفي نوفمبر من العام نفسه طلب المحافظ السابق، محمد الشريف، لقاء ممثلين عن أصحاب المحلات للتوافق معهم على إخلاء محلاتهم مؤقتًا والعودة إليها بعد انتهاء التطوير، عبر اتفاق وصفه رمضان بالمُرضي نسبيًا، وقع عليه ممثلو أصحاب المحلات، وشمل منحهم مهلة للتوافق على آلية للإخلاء ومنحهم محلات مؤقتة لمدة ستة أشهر، في ميدان محطة مصر، المطوّر مؤخرًا، بإيجار لا يتجاوز 1000 جنيه شهريًا، مع تشكيل لجنة تثمين تختص بتحديد مقابل حق الانتفاع من المحلات الجديدة، تبعًا لمحضر الاجتماع .
وفي يوليو 2024 استبدل الشريف بالفريق أحمد خالد، وبعد شهرين من تغيير المحافظ أرسلت المحافظة إخطارات رسمية لأصحاب المشروعات أن التعاقد بينهم وبين شركة المعمورة تم فسخه، وأن على أصحاب المحلات تسديد أي متأخرات من مقابل حق الانتفاع، وكذلك التقدم بطلبات للاستمرار في شغل المحلات مع استكمال الإجراءات اللازمة مع المحافظة، وإلا «فسيتم الإخلاء فورًا».
إلا أن أصحاب المحلات فوجئوا خلال السنوات السابقة لبدء مشروع التطوير، بعراقيل وضعتها المحافظة أمام سدادهم مقابل حق الانتفاع السنوي، ما دفع معظمهم لسداده في المحكمة بدلًا من مقر المحافظة، تجنبًا لخطر طردهم من المحلات في حالة تراكم عدد من أقساط حق الانتفاع، واعتبر المصدر أن تعطيل السداد كانت بمثابة وسيلة ملتوية لانتزاع ملكية المحلات والأرض المقامة عليها.
ثم اكتشف اصحاب المحال لاحقًا أنها تشمل سداد فارق تثمين بأثر رجعي، يتراوح ما بين 900 ألف إلى مليوني جنيه، ما اعتبره أصحاب المحلات «ليس إلا محاولة لإخراجهم من المكان بتعجيزنا عن السداد».
في نهاية يناير الماضي، أبلغ رئيس حي الجمرك، محمد صلاح، ممثلين عن أصحاب المحلات بضرورة توقيعهم على إقرارات تسلم خطابات رسمية لإخلاء محلاتهم، تمهيدًا لتطوير المنطقة، وبالموافقة على التطوير، ووعدهم في المقابل بالسماح لهم بإقامة خيمة لعرض منتجاتهم لحين إعادة بناء المحلات بعد إتمام خطة التطوير والوصول إلى صورة جديدة للتعاقد معهم مع سداد قيمة إعادة التثمين قبل الحصول على المحال الجديدة، «لكن دون أي تفاصيل حول شكل التعاقد الجديد، أو تعهدات رسمية بحقنا في المحلات الجديدة»، بحسب أحد ممثلي أصحاب المحلات الذي حضر الاجتماع.
المصدر السابق نفسه أكد أن رئيس الحي رفض تقديم أي التزام رسمي يخص موعد تسليم المحال الجديدة، كما تراجع عن الاتفاق الذي وقع عليه ممثلو أصحاب المحلات مع المحافظ السابق، لمنحهم محلات مؤقتة بإيجار أقل من 1000 جنيه، وهو ما أتى بعد لقاء آخر لعدد من ممثلي أصحاب المحلات مع نائبة المحافظ الحالي، أميرة صلاح، أنكرت خلاله أي حق لهم، قائلة إن المحافظة تسعى للاتفاق معهم على حلول مراعاة للبعد الاجتماعي فقط، لينتهي اللقاء بمشادات بين الطرفين.
اللقاء مع رئيس حي الجمرك، الذي منح أصحاب المحال خلاله مهلة حتى 6 فبراير، للتوقيع على قبول التطوير، دون تحديد عواقب عدم الامتثال، أتى بعد أيام من هدم الحي 12 محلًا تضرروا من حريق شهدته المنطقة في أكتوبر 2023، وهو الهدم الذي تم دون إبلاغ أصحاب تلك المحلات، الذين حرروا بلاغات بإزالتها دون وجه حق، بحسب أحد أصحاب المحلات، فيما قال مصدران حضرا لقاء رئيس الحي، إن اللقاء الأخير شهد تهديد الأخير بهدم المزيد من المحلات.
دعوى قضائية
مؤخرا، أقام أصحاب المحلات التجارية في ميدان المساجد «ساحة أبو العباس» بالإسكندرية، دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، السبت الماضي، ضد محافظ الإسكندرية ورئيس حي الجمرك، طالبوا فيها بتحرير عقد لمحل جديد بديل عن المحال التي تمت إزالتها ضمن خطة التطوير المزمع للمنطقة، ووفق ممثلين قانونيين عن أصحاب المحال، فإن الدعوى تطالب بأن يرفق بالعقود رقم المحل البديل ومساحته ومواصفاته وموقعه وتاريخ استلامه بعد إتمام التطوير، موضحًين أن المحل المهدم كان ضمن 12 محلًا هدمتها المحافظة مؤخرًا دون سند قانوني، وذلك بعد تضررها إثر حريق شهدته المنطقة، فيما تواجه باقي محلات الميدان تهديدات بالإزالة أو انتزاع ملكيتها، في ظل خطة التطوير.
وانتهت قبل عشرة أيام مهلة منحها رئيس الحي لأكثر من 160 من أصحاب المحلات في الميدان، للتوقيع على الموافقة على خطة التطوير، وهي المهلة التي انتهت دون توقيعهم، في ظل عدم منحهم أي ضمانات لحصولهم على محال بديلة في المكان نفسه عقب انتهاء التطوير، فضلًا عن التراجع عن اتفاق سابق معهم.
كان أصحاب المحلات اشتروها من شركة المعمورة للتعمير والتنمية السياحية، بناء على اتفاق بينها وبين المحافظة منذ الثمانينيات، مُنحوا على أساسه عقود ملكية للمحلات وعقود حق انتفاع للأرض المقامة عليها بمقابل سنوي ثابت تحصل عليه المحافظة.
وتستمر أزمة تجار الإسكندرية وسط إصرار المحافظة على استعمال البلطجة وفرض الأمر الواقع ، دون مراعاة لأحد، في ظل الحكم العسكري الغاشم، وهو في النهاية ما يدفع رجال الأعمال المستثمرين للهروب من مصر بأموالهم.
