بقلم / مصطفى عبد السلام
لأن مصر باتت ثاني أكبر مقترض في العالم من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، فمن الطبيعي أن تتحدث باسم الدائنين الدوليين، وأن تقود خطط تأسيس أكبر ناد يضم في عضويته كبار المقترضين حول العالم، وأن تتصدر محاولات تدشين أضخم كيان يسابق الزمن للاقتراض من كل صوب وحدب، ويعمل على تدوير القروض، واستبدال الديون بديون جديدة، وربما التنسيق للحصول على مزيد من القروض وبأسعار فائدة تنافسية.
ولأن مصر حصلت قبل أيام على قرض جديد من الاتحاد الأوروبي بقيمة أربعة مليارات يورو وتقترب من انتزاع قرض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.4 مليار دولار، ويقترض بنكها المركزي ما يقارب 2.5 مليار دولار خلال شهر نوفمبر الجاري، فليس من المستغرب أن تقود حكومتها الجهود الدولية لتأسيس مؤسسة تضم كبار المقترضين حول العالم، وأن تدخل في منافسة مع الأرجنتين التي طلبت قرضاً جديداً من صندوق النقد بقيمة 20 مليار دولار لعله ينقذها من مخاطر التعثر المالي والدخول في مرحلة جديدة من الإفلاس.
مصر باتت ثاني أكبر مقترض في العالم من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، فمن الطبيعي أن تتحدث باسم الدائنين الدوليين
ولأنه لا تمر فترة طويلة حتى نفاجأ بحصول الحكومة المصرية على قرض دولاري ضخم، أو التفاوض حول قرض جديد، أو تحويل وديعة خليجية إلى استثمار، فمن الطبيعي أن يخرج علينا وزير المالية المصري أحمد كوجك ليعلن أن بلاده تجري مباحثات مع شركاء دوليين، لدراسة تأسيس ناد للمقترضين والدول المقترضة لتوحيد أصواتها في التعامل مع أزمة الديون، مع فتح حيز مالي جديد عبر أفكار مبتكرة، من بينها التوسع في آليات تحويل الديون إلى استثمارات.
بل وطرح كوجك ما أسماه بالرؤية الشاملة التي تقوم على ثلاثة محاور أساسية، وهي ابتكار أدوات لمعالجة قضية الديون وتوسيع الحيز المالي، وتعزيز تعبئة الموارد المحلية بما يخدم النشاط الاقتصادي، وتقوية دور المؤسسات المالية الإقليمية، ولا سيما في ما يتعلق بأدوات الإقراض والتسوية بالعملات المحلية، باعتبارها خطوة نوعية قادرة على تخفيف أعباء الديون الخارجية.
وبدلاً من أن يخرج علينا الوزير ويطرح خطة محددة لتقليص فاتورة الدين الخارجي لمصر والذي تجاوز 162.5 مليار دولار، ويحدد موعداً نهائياً لوقف مسلسل الاستدانة الخارجية، والحد من سياسة استبدال الديون وتدوير القروض، يخرج علينا ليعلن عن تأسيس تحالف أو كيان دولي للمقترضين يعطي انطباعاً أن الحكومة المصرية تصر على إغراق البلاد في وحل الاستدانة الخارجية، ورهن مقدرات وثروات البلاد للدائنين الدوليين وفي المقدمة صندوق النقد الدولي.
أي رسالة تلك التي يبعث بها وزير المالية المصري من إعلان تأسيس ناد لكبار المقترضين حول العالم، هل يريد القول إن مصر غرقت في بئر الديون العميق، وأنه لا أفق لوقف هذا المسلسل الخطير، وبالتالي تعمل على تأسيس ناد يضم أكبر المقترضين الدوليين للتعامل مع تلك الأزمة الكبيرة؟ هل يبعث برسالة تعمق مقولة إن مصر أدمنت سياسة الاقتراض من صندوق النقد الدولي وغيره، وأن الحكومة تبحث إبرام اتفاق جديد مع الصندوق عقب انتهاء البرنامج الحالي الذي حصلت بموجبه على قرض بقيمة ثمانية مليار دولار؟
لا تمر فترة طويلة حتى نفاجأ بحصول الحكومة المصرية على قرض دولاري ضخم، أو التفاوض حول قرض جديد، أو تحويل وديعة خليجية إلى استثمار
ما الخطوة التالية التي سيعلن عنها الوزير؟ اختيار القاهرة مثلا عاصمة لنادي المقترضين الدوليين، أو الدخول في منافسة مع بوينس أيرس عاصمة الأرجنتين لاستضافة النادي، مع فتح باب العضوية للدول الأكثر استدانة، ودعوة الدول المدينة للانضمام إلى هذا التحالف، وبعدها يتم العمل على استكمال المؤسسات، تأسيس "نادي الشحاتين حول العالم"، أو الاتحاد الدولي للمقترضين، وإطلاق جمعية المدينين الدوليين، ومقهى لأكثر الدول استدانة حول العالم.
بائع أسطوانات غاز في حي شعبي في مصر، القاهرة 19 يناير 2023 (فاضل داود/Getty)
موقف
ديون مصر الخطرة وسياسة "دوخيني يا لمونة"
وربما تقترح الحكومة المصرية على البرلمان مشروع قانون يقضي بإنشاء وزارة شؤون القروض والتنسيق مع الدائنين الدوليين، وإطلاق المشروع القومي للاستدانة، والذي ستصفه وسائل الإعلام وقتها بأنه سيعود على مصر والمصريين بالخير الوفير والأموال الكثيفة ويعمل على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وهي الشعارات التي يتم رفعها عند الحصول على قروض جديدة.
الذي نريد أن نسمعه من الحكومة المصرية التي ينتمي إليها كوجك ليس هو العمل على تأسيس نواد للمقترضين الدوليين، فهذا أمر يسيء لسمعة مصر المالية والاقتصادية، بل هو الوقف الفوري للقروض الخارجية، أو على الأقل تقليصها، ووضع حد للسفه في الاقتراض الذي رهن مقدرات الدولة وأصولها وثرواتها وحصائل ضرائبها للدائنين.

