رغم أنه صناعة أمنية وقوة بلطجية شاركت في الكثير من الجرائم ورغم حصولة، على أحكام تجاوزت 190 عام في 120 قضية جنائية، خلال 21عام فقط، هاجمت قوات الأمن وكر أو منزل محمد محسوب “خط الصعيد”، هذا المنزل المعروف للشرطة تماما، في ساحل سليم بقرية العفاردة في أسيوط.
والسؤال الذي طرحه العديد من المحللين، لماذا انتظر الأمن كل هذه السنين للقبض عليه رغم عيشه بمنزله ودون أي ملاحقة أمنية؟، كما طرحوا سؤالا آخر وهو كيف حصل على هذا الكم من الأسلحة والمتفجرات؟.
وكانت قوات الأمن بحكومة الانقلاب داهمت منازل محسوب وعدد من أقاربه عقب اشتباكات استمرت 3 أيام، بداية من السبت الماضي، حيث قامت بهدم المنازل الثلاثة والأسوار الخرسانية التي كان المتهمون يتحصنون بها.
وقال مصدر أمني: إن “قوات الأمن العام والبحث الجنائي، و30 تشكيلًا من قوات الأمن المركزي، تمكنت من القضاء على البؤرة”.
كانت قرية العفادرة، التابعة لمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط، قد شهدت منذ السبت اشتباكات عنيفة بين الشرطة وخارجين عن القانون، مطلوبين في قضايا عديدة، من بينهم زعيم البؤرة وأعوانه، مما حول القرية إلى ساحة حرب، ما أدى إلى تعطل المدارس والمصالح الحكومية.
وأوضح المصدر، أن قوات الشرطة حاصرت القرية، وأغلقت جميع المداخل والمخارج، مع نشر القوات بين الزراعات وأشجار الفواكه التي تتميز بها القرية لطبيعتها الجغرافية.
وخلال المواجهة، أطلق محسوب وأعوانه النار على القوات الأمنية، واستخدموا قذائف آر.بي.جي وقنابل يدوية، إلا أن القوات الأمنية تمكنت من تصفيته وثلاثة من معاونيه، وضبط ترسانة ضخمة من الأسلحة والذخائر..
“البلطجة” تحكم مصر!
على مدار سنوات الانقلاب، أصبح “البلطجية” عصا الدولة العسكرية الغليظة بمصر، وتوسعت الدولة في استخدامهم؛ لترويع المعارضين وتهديد القوى السياسية.
استخدمهم مبارك و السيسي في أوقات الانتخابات، ولمواجهة ثوار يناير، وخلق “حالة” من الفوضى في المجتمع عندما يلوح أي تهديد للنظام.
الأمر لم يتوقف عند حدود الاستخدام، بل عمد السيسي في السنوات الأخيرة إلى محو التاريخ الأسود لرموز البلطجة الكبار والعفو عنهم وتقديمهم للمجتمع كرموز وطنية، وتمكينهم من قيادة شركات ومجموعات أعمال وتنظيمات قبلية شبه عسكرية، وهو ما يعتبره مراقبون تكرار لسيناريو “حميدتي” في السودان، وقد يجر مصر إلى حرب أهلية.
ويعتبر صبري نخنوخ و إبراهيم العرجاني، هما أشهر رموز البلطجة التي جرى غسل سمعتها إعلاميا بعد تبني السيسي لهما شخصيا، فبعد إفراجه بعفو “رئاسي” عن “نخنوخ” المحكوم بعد ثورة يناير بالسجن 28 عاما بتهم “البلطجة وحيازة أسلحة ومخدرات”، صدّره السيسي لرئاسة أكبر شركة أمن وحراسة في مصر، وبعد تغاضيه عن اختطاف العرجاني لمجموعة من جنود مصر في سيناء وتجارته في المخدرات والسلاح، عينه مؤخرا رئيسا لما يسمى باتحاد القبائل العربية، ومكنّه قبل ذلك من إدارة اقتصاديات سيناء ومعبر رفح على وجه الخصوص، وأظهره كرجل أعمال يمتلك مجموعة متشعبة الأنشطة في كل ربوع مصر.
“البلطجة”صناعة العسكر
يعد البلطجية من أهم أدوات حكم الدولة العسكرية، وقد اعتمدت وزارة الداخلية، في معاركها مع قوي المعارضة، في كثير من الأوقات، على عصابات البلطجة، خاصة بعد انقلاب 3 يوليو 2013.
وفي تقرير للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، صدر عام 2015، جاء فيه أن هناك أكثر من 500 ألف بلطجي ومسجل خطر في محافظات مصر، يرتكبون كل يوم شتى أنواع الجرائم بمقابل مادي، حيث تحولت “البلطجة” إلى مهنة لديها قوة وعتاد وسلطة تحت سمع وبصر الدولة.
بل وجدنا “التقرير” يؤكد أن هناك ما يقرب من 4 آلاف قضية موجودة داخل أدراج القضاء، من بعض الأهالي ضد شخصيات معروف عنها البلطجة ، كما أن هناك نسبة مماثلة ترفض التقدم ببلاغات خوفا من بطشهم.
ورصد التقرير تصدر العاصمة نسبة انتشار البلطجة، وأنها لم تعد مقصورة على الأحياء الشعبية، بل انتشرت كذلك في ما يسمى بـ”الأحياء الراقية” كمناطق المعادى والمهندسين والدقي، حيث قام بعض الأغنياء بتأجير بلطجية لحمايتهم من السرقة والتعديات.
وخلال 2023، تحدث السيسي عن البلطجية، ودورهم في تسيير الأعمال لقاء منحهم المخدرات ومال، وقال حينها: “ممكن أهد مصر بمليار جنيه، مشيرا لإمكانية منح 100 ألف شخص ظروفهم صعبة “باكتة بانجو” و20 جنيها أو مائة جنيه و”شريط ترامادول”، لكل منهم، لإحداث فوضى بالبلاد”، ما اعتبره البعض إشارة لاتصاله بعالم البلطجية وتشغيله لهم.
وفي 25 سبتمبر 2023، جرى الإعلان عن شراء أشهر بلطجية مصر، صبري نخنوخ، مجموعة شركات “فالكون” للأمن والحراسة، وخدمات الأموال، والقائمة على تأمين سفارتي السعودية والكويت بالقاهرة، وجامعات مصرية وبنوك وشركات كبرى.
ولتلك الشركة دور في دعم الانقلاب العسكري منتصف 2013، ومنذ العام 2014 يقوم قطاع “الدعم والتدخل السريع”، بها بوأد تظاهرات طلاب الجامعات وتسليم المعارضين منهم للأمن، والقيام بنفس الدور خلال مباريات كرة القدم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن “السيسي، ورث تنظيم البلطجية، بعد أن اقتحمت المخابرات الحربية التي كان يرأسها؛ مقرات الأمن الوطني (أمن الدولة)، تحت غطاء شعبي، واستولت على كل وثائقه، وأهمها سجلات البلطجية الذين كانوا تحت إدارة العادلي ورجاله”.
وتعتبر البلطجة وأباطرتها من أخطر التهديدات لاستقرار المجتمع المصري، حيث لا تخلو صحيفة مصرية من خبر يومي عن سطوة عناصر البلطجية وتغولهم بالشارع، خاصة مع الظهور المتتالي لكبار قادتهم من رجال العالم السفلي للجريمة في البلاد إلى جانب عبدالفتاح السيسي، ومشاركة بعضهم جهات سيادية في مشروعاتها.
هذا هو مكمن الخطر، حيث باتت البلطجة عملا مؤسسيا محميا بأعلى رأس في الدولة، ويقف أباطرتها كتفا بكتف مع كبار رجال الدولة، وأصبحت مهنة أساسية لعاطلين لقاء أجر، بفعل سياسات النظام من الإفقار والبطالة والغلاء.
