في خطوة تعكس استمرار حالة التخبط في إدارة السياسة النقدية، خفّض البنك المركزي بحكومة الانقلاب أسعار الفائدة مجدداً بنسبة 1%، ليصل العائد على الإيداع إلى 24% والإقراض إلى 25%، وذلك للمرة الثانية توالياً خلال أقل من شهر، ويأتي هذا القرار استجابة واضحة لتوجيهات صندوق النقد الدولي، الذي يضغط على الحكومة المصرية للمضي في مسار ما يُعرف بالإصلاحات، رغم ما تسببه من تفاقم للأزمة الاقتصادية.
بهذا الخفض، يكون البنك المركزي قد قلّص أسعار الفائدة بإجمالي 3.25% منذ بداية العام، في وقت يشهد فيه الاقتصاد المصري تراجعاً حاداً في القدرة الشرائية وارتفاعاً مزمناً في معدلات الفقر والبطالة، وانهياراً مستمراً في قيمة الجنيه الذي تجاوز 50 جنيهاً مقابل الدولار في السوق الرسمية.
تجاهل الواقع المحلي تحت عباءة "النمو المتوقع"
رغم أن لجنة السياسة النقدية عزت قرارها إلى تراجع الضغوط التضخمية وتباطؤ النمو العالمي، إلا أن المؤشرات المحلية تكشف عن صورة مغايرة، فرغم انخفاض التضخم السنوي من ذروته البالغة 40% في سبتمبر 2023، فإنه لا يزال عند مستويات مرتفعة بلغت 13.9% في إبريل، فيما تتجاهل الحكومة الضغوط المتزايدة على المواطن الذي يعاني من انفجار أسعار السلع الأساسية، وانخفاض القيمة الحقيقية للأجور.
وزعمت اللجنة أن الاقتصاد يشهد تعافياً، مستندة إلى توقعات بنمو الناتج المحلي بنسبة 5% في الربع الأول من 2025، لكنّ خبراء يشككون في مصداقية هذه التقديرات، مشيرين إلى أنها لا تعكس الواقع الحقيقي للقطاعات الإنتاجية المتراجعة، وانكماش الاستثمار الخاص، وتخارج الشركات الأجنبية، وتوسع الجيش في المشروعات العقارية والخدمية على حساب الصناعة والزراعة.
تيسير نقدي موجه لصالح كبار المستثمرين
قرار خفض الفائدة يعزز توجه البنك المركزي نحو "دورة تيسير نقدي" تخدم مصالح كبار المستثمرين والمضاربين في البورصة وسوق العقارات، فيما يتجاهل معاناة غالبية المصريين، ويشير مراقبون إلى أن هذا النهج لا يعالج جذور الأزمة، بل يعمق الاعتماد على أدوات قصيرة الأجل لإرضاء صندوق النقد الدولي، الذي يربط صرف دفعات القرض الجديد بتنفيذ شروط قاسية تشمل رفع أسعار المحروقات، وتحرير الجنيه، وتقليص الدعم الاجتماعي.
خدمة التزامات الصندوق على حساب الاستقرار
وتأتي قرارات خفض الفائدة رغم تحذيرات من آثارها السلبية على قيمة العملة المحلية، وسط مخاوف من موجة جديدة من التضخم المستورد إذا ما شهد الجنيه مزيداً من التراجع، ويرى محللون أن البنك المركزي يتجاهل هذه المخاطر في سبيل إظهار التزامه بشروط صندوق النقد، حتى لو جاء ذلك على حساب الاستقرار النقدي واحتياجات الاقتصاد الحقيقي.
خلفية القرض والصفقة الإماراتية
جدير بالذكر أن خفض الفائدة يأتي بعد توقيع مصر اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي يشمل حزمة إصلاحات مقابل قرض بقيمة 8 مليارات دولار، وذلك بعد صفقة مع صندوق أبوظبي السيادي ضمنت فيها القاهرة 24 مليار دولار لقاء تنازلها عن مشروع ساحلي استثماري استراتيجي على البحر المتوسط.
نهاية مفتوحة.. وثمن يدفعه المواطن
في ظل هذا النهج، تبقى السياسات الاقتصادية رهينة قرارات تُتخذ خارج السياق الشعبي والوطني، تُنفذ بدقة استجابةً لتعليمات الدائنين، بينما يتحمل المواطن وحده الكلفة الباهظة للتقشف، وخفض الدعم، وتراجع الخدمات، وتآكل المدخرات.