رغم مرور ما يقارب العقد من الزمان على افتتاح المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي لتفريعة قناة السويس الجديدة في عام 2015، إلا أنه لا تزال القناة تعاني من تراجع حاد في حركة الملاحة، وصل إلى 62.3% في الإيرادات، مما يعمق التساؤلات حول جدوى المشروع الذي التهم مليارات الجنيهات من أموال المصريين بلا عائد حقيقي حتى اليوم.
التفريعة… مشروع دعائي أم استثماري؟
عندما افتتح السيسي ما وصفه بـ"هدية مصر للعالم"، روّج النظام للمشروع على أنه سيحول القناة إلى مركز لوجستي عالمي يجذب السفن العملاقة ويرفع الإيرادات السنوية إلى 13 مليار دولار بحلول 2023. لكن النتائج جاءت عكسية؛ ففي النصف الأول من العام المالي الحالي، انخفضت الإيرادات إلى 1.8 مليار دولار فقط، مقارنة بـ4.8 مليارات في الفترة نفسها من العام الماضي، وسط هروب جماعي لشركات الشحن العالمية.
يقول خبراء اقتصاديون إن المشروع افتقر لدراسة جدوى حقيقية، وكان في معظمه حملة علاقات عامة لتجميل صورة النظام العسكري، وليس استثمارًا مدروسًا. ويضيفون أن الأموال التي أنفقت على التفريعة، والتي قُدّرت بنحو 8 مليارات دولار، كان يمكن استغلالها في تطوير الموانئ أو الصناعات الوطنية ذات القيمة المضافة.
لماذا لا تعود السفن العملاقة؟
ورغم إعلان هيئة قناة السويس في 14 مايو الجاري عن خفض رسوم عبور سفن الحاويات بنسبة 15%، فإن شركات الشحن الكبرى مثل "ميرسك" ما زالت ترفض العودة إلى الممر الملاحي المصري، مشيرة إلى استمرار المخاطر الأمنية في البحر الأحمر وارتفاع أقساط التأمين. وتشير تقديرات إلى أن قسط التأمين على السفن في المنطقة ارتفع من 0.7% إلى 2% من قيمة السفينة، ما يجعل المرور عبر رأس الرجاء الصالح خيارًا أكثر أمانًا رغم كلفته الزمنية.
وفي حين تروج القاهرة لتراجع تهديدات الحوثيين، تعتبر شركات الملاحة أن التهديدات لا تزال قائمة، خصوصًا للسفن المرتبطة بموانئ إسرائيلية أو تحمل أعلامًا غربية، ما يجعل استئناف المرور عبر القناة محفوفًا بالمخاطر، بحسب تقارير لوكالات مثل "إيكوفين" و"ترانس إنفو".
هل تتعرض قناة السويس لمؤامرة إماراتية؟
مع التراجع المستمر في حركة السفن عبر قناة السويس، تزايدت الشكوك حول وجود تنسيق ضمني أو تغاضٍ متعمد من النظام المصري عن سياسات إماراتية تهدف إلى تقويض دور القناة لصالح ميناء جبل علي في دبي، الذي ينافس القناة كمركز نقل وتجارة عالمي.
ويشير مراقبون إلى تقارب غير مسبوق بين القاهرة وأبو ظبي، تجسد في تنازلات اقتصادية ضخمة قدمها السفيه السيسي للجانب الإماراتي، من بينها بيع أصول استراتيجية في الموانئ المصرية وتحويل مناطق لوجستية بالكامل إلى شركات إماراتية. ويرى البعض أن هذا الخنوع قد يكون جزءًا من صفقة أوسع تهدف لتقليص نفوذ قناة السويس مقابل تعزيز مركزية جبل علي كممر مفضل.
خسائر فادحة ومصير غامض
وفق بيانات رسمية، تخسر مصر قرابة 800 مليون دولار شهريًا بسبب تحويل السفن مسارها بعيدًا عن القناة. ومع تراجع أعداد السفن العابرة بنسبة 52.2%، وانخفاض الحمولات الصافية بنسبة 69.2%، بات حلم الوصول إلى 13 مليار دولار سنويًا من إيرادات القناة هدفًا بعيد المنال.
تعتمد الدولة المصرية على قناة السويس كمصدر أساسي للعملة الأجنبية، حيث بلغت إيراداتها في عام 2023 نحو 9.4 مليارات دولار. لكن الأزمة الجيوسياسية الحالية وسوء إدارة الملف الملاحي، فضلًا عن عدم وجود رؤية اقتصادية مستقلة، تهدد بتقويض أحد أعمدة الاقتصاد المصري لعقود مقبلة.
