في قلب القاهرة، وعلى مسرح السلام، يُعاد بداية من مساء اليوم السبت تقديم مسرحية "سجن النساء" للمُخرج يوسف مراد منير، في معالجة جديدة مُستوحاة من نص الكاتبة الراحلة فتحية العسّال، يعود هذا العمل إلى الواجهة في وقت تشهد فيه مصر انتهاكات غير مسبوقة داخل السجون، لاسيما ضد النساء، حيث تتواتر الشهادات عن القمع والتعذيب وسوء المعاملة، ما يجعل المسرح في هذه الحالة مرآة دامغة لواقع تتوارى مآسيه خلف الأسوار العالية. المسرحية، وهي من إنتاج فرقة المسرح الحديث، تستند إلى تجربة العسال الشخصية كامرأة اعتُقلت أكثر من مرة، وتناولت في نصها الأصلي الصادر عام 1993 معاناة النساء المنخرطات في العمل السياسي تحت سطوة الدولة البوليسية في ثمانينيات القرن الماضي. أمّا النسخة الراهنة، فتبتعد نسبياً عن الخطاب السياسي المباشر لتقترب أكثر من السجينات المهمشات: نساء خلف القضبان بسبب ديون زهيدة، أو ضحايا تحرش واغتصاب، أو حتى مدانات في قضايا جنائية، لكن جميعهن ضحايا في نهاية المطاف لمجتمع قاسٍ ونظام قضائي لا يرحم الفقراء. ما يميّز معالجة يوسف منير هو نقله الأحداث إلى الزمن الحاضر، حيث تتعرف الشخصيات على التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي من داخل الزنزانة، في مشهد عبثي يعكس انفصال السجينات عن الواقع رغم محاولاتهن للتواصل معه، المفارقة هنا تخلق طبقات من السخرية والتأمل، وتتضخم حين نعلم أن هذا العرض يُقدَّم في بلد تتعرّض فيه ناشطات مثل هدي عبد المنعم، وعائشة الشاطر، ورضوى محمد وغيرهن لممارسات أمنية قمعية موثقة، في سجون تعج بالتعذيب والإخفاء القسري. المسرحية التي تقوم على تجارب 14 امرأة، تُقدَّم بصيغة غنائية استعراضية، تتخللها حوارات ساخرة ومقطوعات موسيقية من تأليف محمد عزت، وتؤدي الأدوار ممثلات شابات منهن هايدي وهنادي عبد الخالق، وشريهان الشاذلي، وآية أبو زيد، وغيرهن. اللافت أن العمل الذي كُتب قبل أكثر من ثلاثين عامًا، لا يزال يحتفظ براهنيته، وربما يصبح أكثر إلحاحًا اليوم في ظل تصاعد القمع داخل سجون النظام الحالي. فالسجن في نص العسّال لم يكن فقط مساحة مادية مغلقة، بل رمزًا لسجن أوسع: القيود الاجتماعية، الذكورية، والنظام الأمني، وهي كلها قوى ما زالت تتحكم في مصائر النساء. وبينما تُعرض "سجن النساء" على مسرح الدولة، يظل الواقع أكثر قسوة من الخيال، وتبقى الحقيقة -كما يُقال– أحيانًا أغرب من الفن نفسه.