في خضم التوترات المتصاعدة بفعل الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، سجّل سعر الدولار في مصر قفزة حادة بلغت نحو 85 قرشًا في يوم واحد فقط (12 يونيو)، في مشهد يعكس هشاشة الوضع النقدي المحلي واستعداده للانفجار مع أي صدمة خارجية.
ورغم الترويج الرسمي خلال الأشهر الماضية لما وُصف بـ"تعافي الجنيه" بعد تراجعه من 51.7 جنيهًا إلى أقل من 49.5، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذا التحسن لم يكن إلا هدوءاً مصطنعاً، تغذيه تدفقات قصيرة الأجل وقروض مؤقتة، لا تعكس استقرارًا اقتصاديًا حقيقيًا.
توترات إقليمية… وضغط مباشر على الاقتصاد المصري
أدت الحرب الإيرانية-الإسرائيلية إلى تفاقم التهديدات في البحر الأحمر وتعطيل حركة الملاحة، ما أثر بشكل مباشر على إيرادات قناة السويس، أحد أهم مصادر العملة الصعبة في مصر. وتزامن ذلك مع ارتفاع تكاليف واردات الطاقة، في ظل اضطراب الأسواق العالمية، ما زاد من الضغط على الاحتياطي النقدي المصري.
وتكشف بيانات 2024 أن مصر استوردت ما يفوق 20 مليار دولار من الغاز والوقود، في وقت يتراجع فيه الإنتاج المحلي بشكل مقلق، ما يزيد من العجز التجاري والفجوة التمويلية.
صعود الدولار: بداية موجة لا نهاية واضحة لها
ترى أوساط اقتصادية أن ما حدث في 12 يونيو ليس قفزة طارئة بل بداية لموجة ارتفاع جديدة قد تدفع الدولار مجددًا لتجاوز حاجز الـ50 جنيهًا وربما أكثر مع دخول العام المالي الجديد في يوليو، مدفوعة بـ:
استمرار التوترات الإقليمية وتأثيرها على مصادر العملة الصعبة.
تراجع ثقة المستثمرين في استدامة استقرار الجنيه.
أزمة معلّقة مع صندوق النقد الدولي بسبب تعثّر صرف الشريحة الخامسة (800 مليون دولار) نتيجة خلافات حول ملفات حساسة كرفع الدعم وتخفيض دور الجيش في الاقتصاد.
اعتماد السوق المصري على الاستيراد، وتآكل القدرة الإنتاجية محليًا.
حقن مؤقتة ومؤشرات وهمية
أسباب التحسن السابق للجنيه تعود إلى ما يسميه الخبراء "الحقن المؤقتة": تدفقات أموال ساخنة على أدوات الدين، قروض جديدة من مؤسسات دولية، وأذون خزانة بالدولار داخلية، دون أن يصاحبها تحسّن فعلي في مؤشرات الإنتاج أو التصدير.
وبينما يعلن البنك المركزي عن ارتفاع الاحتياطي إلى 48.5 مليار دولار، فإن جزءاً كبيرًا منه عبارة عن ديون قصيرة الأجل، ما يعني عدم وجود غطاء حقيقي مستدام للجنيه.
أسعار لم تنخفض رغم تراجع الدولار… لماذا؟
المفارقة أن تراجع الدولار لم ينعكس على أسعار السلع، التي تواصل ارتفاعها. ويعزو الخبراء ذلك إلى غياب الثقة في استقرار السعر، واستعداد السوق لموجة غلاء جديدة، خاصة مع استمرار التضخم العالمي والمحلي.
الدولار إلى صعود، والجنيه يواجه العاصفة
الارتفاع المفاجئ للدولار في مصر بفعل تداعيات الحرب الإقليمية ليس سوى مؤشر أولي على ما هو قادم. وإذا استمرت الأزمات الخارجية، وتعطّلت التدفقات الدولارية، واستمرت مصر في الاعتماد على القروض دون إصلاح جذري، فإننا أمام مرحلة جديدة من تراجع الجنيه، قد تكون أكثر حدة