في توقيت مشحون بالأزمات.. لماذا يُصعّد السيسي من استبداده وقمعه ضد المعتقلين السياسيين؟

- ‎فيتقارير

في توقيت مشحون بالأزمات.. لماذا يُصعّد نظام السيسي من استبداده ضد المصريين؟

بينما تزداد حِدة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على المصريين، وتتصاعد الانتقادات الدولية بشأن أوضاع حقوق الإنسان، تُصدر حكومة الانقلاب قراراً بإحالة 415 مواطناً لمحاكم "الإرهاب" في ثلاث قضايا متفرقة.

 مشهد يتكرر كثيراً في زمن المُنقلِب السفّاح عبد الفتاح السيسي، لكنه يكتسب هذه المرة دلالة سياسية خاصة، في توقيت يراه مراقبون بالغ الحساسية، ويرجّحون أن التصعيد القضائي والأمني ليس سوى ردّ فعل استباقي على ارتباك داخلي متزايد ومخاوف من انفجار اجتماعي وشيك.

تدوير القمع

حين تصبح العدالة أداة سياسية ما يجمع القضايا الثلاث الأخيرة هو غياب الحد الأدنى من شروط العدالة، معتقلون يُعاد تدويرهم رغم حصولهم على أحكام بالبراءة أو قرارات قضائية بالإفراج، وآخرون يختفون قسرياً ثم يظهرون باتهامات مُكررة، واستناد كامل إلى تحريات الأمن الوطني دون أدلة مادية أو شهود.

 هذه ليست مجرد تجاوزات فردية بل سياسة ممنهجة، وفق توصّيف منظمات حقوقية مستقلة، المُفارقة أن من بين المتهمين نساء غير متورّطات مباشرة بأي أعمال عنف، وبعضهن أُدرجن في القضايا لمجرد صِلات قرابة بمطلوبين، إلى جانب مرضى ومسنين مثل حمادة بيدق، الذي يواجه خطر الموت في محبسه دون علاج رغم حصوله على البراءة ثلاث مرات.

 لماذا الآن؟

قراءة في توقيت التصعيد تصعيد بهذا الحجم، في هذا التوقيت، لا يمكن قراءته بمنأى عن السياق الأوسع، فمصر تمر بأزمة اقتصادية خانقة، وتزايد في معدلات الفقر، وتراجع متسارع في الحريات العامة.

 بالتزامن، يواصل النظام إعادة هندسة المجال العام عبر تكميم الأصوات، وخنق أي هامش للمعارضة، بما فيها المعارضة القانوني، يرى محللون أن إحالة مئات الأشخاص دفعة واحدة إلى محاكم الإرهاب، هو استعراض مزدوج: تخويف الداخل، وطمأنة أجهزة الدولة بأن "القبضة الأمنية" ما زالت تسيطر، ويأتي هذا أيضاً في إطار رسالة موجهة للغرب بأن الدولة "تحارب الإرهاب"، وهي سردية باتت تفقد مصداقيتها تدريجياً أمام تنامي التوثيق الحقوقي للانتهاكات. سيناء: الميدان الخلفي للقمع ما يحدث في سيناء له خصوصية مركبة، فعدد كبير من المُحالين في قضية "ولاية سيناء" هم من سكان المنطقة، بينهم نساء لا صلة لهن بالنشاط المسلح.

منظمات حقوقية مثل "سيناء لحقوق الإنسان" و"الجبهة المصرية" وثقت حالات احتجاز تعسفي وتعذيب واختفاء قسري طالت مدنيين أبرياء، ضمن نمط طويل الأمد من العقاب الجماعي.

بهذا المعنى، فإن ما يوصف بأنه "حرب على الإرهاب" في سيناء، بات يمثل غطاءً لسياسات أمنية توسعية، لا تميز بين مدنيين ومطلوبين، وتغذّي التهميش والانقسام في نسيج المجتمع السيناوي.

تدوير العدالة، نسف لجوهر القانون يبرز مصطلح "التدوير" كأحد أخطر الأدوات التي يستخدمها النظام لضمان استمرار الاعتقال دون الحاجة إلى محاكمة عادلة، ورغم حصول المتهمين على البراءة، يُعاد إدراجهم في قضايا جديدة بنفس التهم تقريباً، وهي ممارسة تخالف مبدأ "عدم محاكمة الشخص مرتين على التهمة ذاتها"، لكنها باتت عُرفاً قضائياً غير مكتوب في مصر منذ 2013.

الرسالة الأعمق، لا أحد في مأمن إحالة هذا العدد الكبير من المتهمين في قضايا ترتكز على تحريات فقط، دون شفافية أو حق دفاع، تبعث برسالة مفزعة: لا أحد في مأمن، سواء كنت معارضاً أو مواطناً عادياً أو حتى امرأة لا ذنب لها إلا صلة قرابة، يمكن للعدالة أن تُستخدم ضدك، لا لحمايتك.

دولة تُحاكم مستقبلها في ظل هذا النهج، لا يبدو أن النظام في مصر يُحاكم خصومه بقدر ما يُحاكم فكرة العدالة ذاتها، ويخنق فرص التغيير السلمي والمساءلة، في لحظة تاريخية حرجة، يختار السيسي تعميّق القمع بدلاً من مراجعة المسار، ما قد يدفع البلاد إلى مزيد من الانغلاق والانفجار الاجتماعي في آنٍ معاً.