في مشهد يعكس تصاعد قلق نظام المنقلب السيسى من تطورات إقليمية متسارعة، أعلنت سلطات القاهرة حالة استنفار أمني شامل تزامنًا مع تصاعد المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، ووسط مخاوف من انتقال تداعيات الحرب إلى الداخل المصري، خصوصًا في ظل الزخم الشعبي المتنامي الداعم لغزة عبر "مسيرة الصمود".
مصادر أمنية أكدت أن الإجراءات شملت انتشاراً مكثفاً لقوات الأمن المركزي وقوات التدخل السريع في ميادين القاهرة الكبرى، خاصة في المناطق السياحية والحيوية. كما تم تعزيز التواجد الأمني حول المتاحف والفنادق والمنشآت الحيوية، في خطوة اعتبرها مراقبون تعبيراً عن حالة من الهلع السياسي والأمني خشية من خروج الوضع عن السيطرة، لاسيما في ظل الضغوط الشعبية المتصاعدة لمساندة غزة.
ورصدت مواقع محلية ودولية تموضع آليات الأمن المركزي بكثافة في محيط المتحف المصري ومداخل الميادين الكبرى، فيما صاحب ذلك حملة إعلامية مكثفة من وسائل إعلام مقربة من الأجهزة السيادية تحذر المواطنين من "الانسياق وراء الشائعات" و"تعريض الأمن القومي للخطر"، وتُلوح بتهديدات قانونية تصل إلى المحاكمات العسكرية.
في سياق متصل، وجهت وزارة السياحة تعليمات غير مسبوقة إلى شركات الطيران والفنادق بضرورة الإبلاغ المسبق عن أي سائح قادم إلى البلاد، وإرسال بيانات جوازات السفر للجهات الأمنية للتحقق منها، وهو ما أثار استياءً واسعاً بين الشركات العاملة في القطاع السياحي التي وصفت الإجراء بـ"غير القابل للتطبيق"، محذرة من انعكاساته السلبية على قطاع السياحة المفتوح عالميًا.
وقالت مصادر مطلعة إن تلك الإجراءات الأمنية المشددة تستهدف ضمنيًا منع دخول الأجانب الراغبين في الانضمام إلى مسيرة الصمود إلى غزة، التي أطلقتها فعاليات عربية من عدة دول، لكنها واجهت تضييقاً متزايداً في الأراضي المصرية، شمل الاعتقال والملاحقة، بحسب ما أفادت به منظمات دولية وناشطون.
من جانبها، أكدت إسلام عوادي، منسقة القافلة المغاربية المشاركة في المسيرة، أن القافلة توقفت في مدينة مصراتة الليبية بسبب توقيف عدد من المشاركين، وبينهم تونسيون وليبيون. وقالت في تصريحات صحفية إن كافة الطرق المؤدية إلى قطاع غزة قد أُغلقت، ما اضطر المشاركين إلى التخلي مؤقتاً عن خطتهم.
وعلى وقع حملة التضييق، أطلق ناشطون عرب بيانًا إلكترونيًا يدين القمع المصري، ويدعو السلطات إلى السماح للقافلة بالعبور نحو غزة، معتبرين أن "مسيرة الصمود تمثل الضمير العربي والإنساني في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية". وشدد البيان على أن الحكومات العربية، وفي مقدمتها مصر، تجاوزت حتى الاحتلال الإسرائيلي في مستوى القمع والمنع، في إشارة إلى حجم العوائق التي وُضعت أمام المبادرة.
وفي تحرك يعكس حجم القلق الرسمي من التصعيد الإقليمي، أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قرارًا بتشكيل لجنة أزمات عليا تضم ممثلين عن كافة الأجهزة السيادية والوزارات الاقتصادية والأمنية، لمتابعة تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية والاستعداد لأي تطورات قد تهدد الداخل المصري، سياسيًا أو اقتصاديًا.
ورغم أن القافلة لم تصل إلى غزة، إلا أن المتضامنين يرون أنها نجحت في إشعال شرارة شعبية عربية متجددة، تكسر حالة الصمت الرسمي، وتعيد طرح السؤال الأهم: لماذا تلاحق الأنظمة الشعوب عندما تتحرك من أجل القضايا العادلة؟