جددت وفاة “عمر هاشم” فصول مواقفهم.. الصوفية طرق وعلماء في خدمة الانقلاب

- ‎فيتقارير

أعادت وفاة الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار علماء الأزهر، ورئيس جامعة الأزهر السابق وأستاذ الحديث، تناول الجور الذي لعبه عدد من شيوخ الطرق الصوفية في مصر دورًا مؤيدًا لانقلاب 3 يوليو 2013، حيث دعموا عزل الرئيس الدكتور محمد مرسي، بل وشاركوا في قتله في محبسه، وشاركوا في الحشد لتظاهرات 30 يونيو، مما عزز دور التصوّف الرسمي في حضن السلطة العسكرية، حيث التميز بالفساد والمحسوبية والواسطة الذين يشكل الصوفية جزء منها.

ولم يُصدر الشيخ موقفًا صريحًا يُدين أو يُؤيد فض رابعة، لكنه أنشد شعرًا في مدح السيسي، ووصف من يُخونه بـ”الخوان والغدار”،  رغم أنه يُعرف عنه تجنّب الصدام السياسي المباشر، ويميل إلى خطاب ديني تقليدي يُركّز على الأخلاق والوسطية، كما كان يؤدي دورا أمنيا حيال الأكاديميين والطلاب في جامعة الأزهر ممن ينتمون للتيار الإسلامي (الإخوان المسلمين).

وشارك في مناسبات رسمية بحضور رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، مما يُشير إلى موقف مؤيد ضمنيًا وإن دعمه بمحاضرات وخطب وأشعار في مديح المنقلب.

 

إلا أن تيارا صوفيا عاما دعم السيسي وكانت تربطهم علاقات ومنهم علي جمعة، الأكثر صراحة ووضوحًا في تأييد الانقلاب وأسامة الأزهري الذي يؤيد بخطاب ناعم ومؤسسي.

والطرق الصوفية في مصر تُعد من أقدم المؤسسات الدينية الشعبية، وتضم ملايين المريدين، ولها مشيخة عامة تُشرف عليها الدولة.

وتاريخيًا، تراوحت علاقتها بالسلطة بين الدعم الكامل والحياد، لكنها في السنوات الأخيرة أصبحت أقرب إلى التدين الرسمي الذي يُستخدم لتسكين الغضب المجتمعي، ولذلك حرصت أجهزة السلطة على اختيارهم (بتعيين من سلطات رئيس الانقلاب) في برلمانات العسكر بغرفتيه.

وفي تظاهرات 30 يونيو 2013، شارك عدد من شيوخ الطرق الصوفية في الدعوة إلى النزول ضد حكم الإخوان المسلمين، معتبرين أن الجماعة تُهدد هوية التصوف المعتدل.

ودعم بيان الجيش بعد إعلان الفريق عبد الفتاح السيسي عزل الرئيس د.محمد مرسي، أيدت مشيخة الطرق الصوفية هذا القرار، واعتبرته “إنقاذًا للوطن”.

وبعد الانقلاب، استعادت الطرق الصوفية مكانتها الرسمية، وشاركت في احتفالات الدولة، مثل المولد النبوي وليلة القدر، بحضور السيسي.

ويرى كثير من “الصوفيين” أن جماعة الإخوان تُهمّش التصوف وتُحاربه فكريًا، وتاريخ ل”العداء التاريخي” بين الصوفية والإخوان رغم أن والد الإمام البنا كان محدثا وأقرب في علاقاته بالزاهدين وانتمى مؤسس الإخوان المسلمين في بداياته “البحثية” لطريقة صوفية خلوتية، واعتبر أن الإخوان (حقيقة صوفية) و(طريقة سنية)..

وبرر بعض شيوخ السلطان من الصوفية دعمهم للانقلاب بأنه ضرورة لحماية البلاد من الفوضى، إلا أن ما حصلت عليه الطرق الصوفية بعد الانقلاب يوازي ما حصلت عليه الكنيسة من دعم مالي وتنظيمي أكبر من الدولة، مما عزز نفوذهما سلطويا.

من أبرز مشايخ الطرق الصوفية الذين أيدوا انقلاب 3 يوليو 2013 في مصر: الشيخ عبد الهادي القصبي، الشيخ علاء أبو العزائم، والشيخ محمد الشهاوي.

وتقلد الشيخ عبد الهادي القصبي منصب رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر وكان من أوائل الداعمين لتظاهرات 30 يونيو، وشارك في اجتماعات القوى المدنية التي طالبت بعزل الرئيس محمد مرسي، وبعد الانقلاب، أصبح عضوًا بارزًا في البرلمان المصري، ورئيس لجنة التضامن الاجتماعي، مما عزز علاقته بالسلطة.

والشيخ علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية، وهي من أبرز الطرق الصوفية ذات التوجه السياسي، وكتب مقالات عديدة في الصحف المصرية يُهاجم فيها جماعة الإخوان المسلمين، ويُشيد بدور الجيش في “إنقاذ مصر”، وشارك في تأسيس تحالفات سياسية مؤيدة للسيسي مثل “التيار المدني” و”جبهة الإنقاذ”.

وفي تصريحات لدويتشه فيله قال محمد علاء الدين أبو العزائم، في مارس 2014م: “القيادات الصوفية في مصر فاشلة ولا تمتلك وزنا حقيقيا داخل المجتمع المصري؛ لأنها تقبل بتوظيفها من قبل السلطة، لاسيما إبان نظام مبارك الذي كان، ويقر أن الطرق الصوفية كانت أداة لخدمة أمن الدولة ضد الإخوان المسلمين، واستشهد بالحرب الإسرائيلية على غزة وإغلاق نظام مبارك للمعابر الحدودية، حيث، وفقا له، “لم يجرؤ أحد من الصوفية انتقاد النظام حينها”.

ونقلت عنه القول: “السلطة حاليا لا تستخدم الطرق الصوفية، ولكن القيادات الصوفية هي من تقدم نفسها للسلطة لتحقيق مصالحها الشخصية”. وأضاف، “مساندتهم للسيسي ليست عن قناعة شخصية، بل لركوب الموجة، لأنهم يستغلون النظام الحاكم أيا كانت توجهاته”.

والشيخ محمد الشهاوي، شيخ الطريقة الشهاوية، وله حضور على محطات المتحدة، وأيد خارطة الطريق التي أعلنها السيسي، وشارك في مؤتمرات دينية رسمية بعد الانقلاب، ودعا إلى دعم الدولة في مواجهة “الفكر المتطرف”، واعتبر أن التصوف هو الحصن الروحي لمصر.

وعزز الانقلاب من خلال إعلامه حضور الطرق الصوفية في الإعلام والمناسبات الرسمية، واعتبرتها شريكًا في “مواجهة التطرف”.

فكان الأبرز حضورا علي جمعة وهو  من أبرز المؤيدين للانقلاب، وظهر في فيديو شهير يُخاطب ضباط الجيش قائلًا: “اقتلوهم ناس نتنة ريحتهم وحشة” وهو تصريح دعم الفض المباشر بالقتل لاعتصام رابعة السلمي، وأثار جدلًا واسعًا داخل مصر وخارجها.

بعد الانقلاب، أصبح علي جمعة أحد أبرز وجوه “التدين الرسمي”، وشارك في حملات إعلامية لتبرير موقف الدولة من الجماعات الإسلامية.

وتلميذه أسامة الأزهري،  لم يُصدر تصريحات حادة مثل علي جمعة، لكنه اتخذ موقفًا مؤيدًا للسلطة الجديدة وعينه السيسي مستشارًا دينيًا لرئيس الجمهورية، وشارك في برامج تلفزيونية تُروّج لخطاب ديني معتدل متماهي مع توجهات الدولة، ثم اختاره وزيرا للأوقاف.

وفي المناطق الريفية والصعيد ترتفع نسبيًا، الثقة في الصوفية، خاصة في القرى والمراكز التي تحتضن أضرحة ومواسم صوفية ويُنظر إلى شيوخ الطرق الصوفية كـ”أهل بركة” ووسطاء روحيين، ويُحترمون لدورهم في حل النزاعات المحلية وتقديم الدعم الاجتماعي، كما تعد الاحتفالات مثل المولد النبوي ومولد السيد البدوي عامل جذب آلاف المشاركين، مما يعكس حضورًا شعبيًا قلت قوته فترة ما قبل ثورة يناير وحتى بعدها بسنوات إلى أن أعاد السيسي إحياء هذا المسكن “الأفيوني”. (توظيف الدين في تسكين الشعوب)

وفي المدن الكبرى والطبقة المتعلمة، تقل نسبة الثقة في الصوفية إلى حد بعيد نسبيًا، خاصة بين الشباب المتأثرين بالخطاب العقلاني أو الحركي (الإسلامي أو الليبرالي)، ويُنظر إلى الطرق الصوفية أحيانًا كجزء من “التدين التقليدي” المرتبط بالسلطة، خصوصًا بعد دعمهم للانقلاب في 2013.

وينتقد بعض المثقفين التصوف باعتباره “خرافيً” أو “غير عقلاني”، رغم وجود اهتمام متزايد بالتصوف الفلسفي (مثل ابن عربي والحلاج).

إلا أن الثقة منعدمة إلى حد بعيد بين الإسلاميين والتيارات الحركية من جهة وبين الطرق الصوفية الذين يعدون أداة في يد النظام، خصوصًا بعد تصريحات بعض شيوخهم المؤيدة لفض رابعة أو عزل مرسي أو ترسخ حكم السلطان المستبد.

وينتقد السلفيون الممارسات الصوفية مثل التوسل بالأولياء أو الاحتفال بالمولد، ويعتبرونها بدعًا.

مركز المسار

وفي دراسة منشورة بعنوان “الصوفية في مصر بين ثورة يناير 2011 وانقلاب يوليو 2013: الرهان الداخلي والخارجي” توضح كيف تم توظيف الطرق الصوفية سياسيًا في تلك المرحلة، وتتناول تطور التصوف في مصر من النشأة الروحية إلى التوظيف السياسي، وتُبرز كيف تحولت الطرق الصوفية من حركة روحية مستقلة إلى أداة في يد السلطة.

وتضمنت الدراسة تحليل عن الفاعلية السياسية للطرق الصوفية في مصر يشرح كيف تحولت من حركة روحية إلى أداة سياسية في يد السلطة.

وقالت: إن “التصوف في مصر بدأ كـسلوك فردي قائم على الزهد والورع منذ القرن الأول الهجري، وتطور لاحقًا إلى تنظيمات جماعية تُعرف بـ”الطرق الصوفية”، لكل منها شيخ ومريدون وأوراد وبيعة وزيّ خاص”.

أول من وضع أصول التصوف في مصر هو ذو النون المصري، بحسب الدراسة، وتطورت الطرق في العصر الأيوبي حين أنشأ صلاح الدين “الخانقاه” لاستقبال المتصوفة.

ولعبت الطرق الصوفية دورًا سياسيًا بارزًا في مقاومة الغزاة مثل الصليبيين والتتار، وشاركت في الثورات ضد الحملة الفرنسية.

في مراحل لاحقة، تراجعت هذه الفاعلية وتحولت إلى أداة لتسكين الغضب المجتمعي، حيث تم استئناسها ودمجها في مؤسسات الدولة.

التوظيف السياسي في العصر الحديث

وقالت الدراسة: إنه “بعد انقلاب 3 يوليو 2013، أصبحت الطرق الصوفية جزءًا من التدين الرسمي، تُستخدم لدعم النظام السياسي وتقديم خطاب ديني غير صدامي”.

واشارت إلى أن الدولة اعتبرت التصوف مساحة آمنة لمواجهة التيارات الإسلامية الحركية، مثل الإخوان والسلفيين، فذلك “تم تعزيز حضور الطرق الصوفية في الإعلام والمناسبات الرسمية، واحتُفي بها كرمز للاعتدال.” بحسب الدراسة

تقول الدراسة: “الطريقة في اصطلاح المتصوفة هي الجماعة المنتسبة لقطب من أقطاب الصوفية كالشاذلية والأحمدية والنقشبندية، أو لمَعلم تربوي كالخلوتية نسبة إلى الخلوة، ولكل طريقة شيخ ومريدين وبيعة وزي وأوراد وتراتبية تنظيمية.”.

وهو ما يوضح أن الطرق الصوفية ليست مجرد مجموعات روحية، بل لها بنية تنظيمية واضحة، مما يُمكّنها من التأثير الاجتماعي والسياسي.

و”تصدرت الحركة الجهادية ضد الغزاة من الصليبيين والتتار، وقادت الثورات ضد الحملة الفرنسية، وطالبت بحقوق مستضعفي الأمة من ولاتها الظالمين.”

 

وأضافت أن “المشروع الصوفي الحديث ينطلق من منطلقات سياسية لا دينية ورموزه لا يتمتعون بمقومات قادرة على إقناع المصريين والمسلمين عموما بطريقتهم؛ فهم يستندون فقط على دعم السلطة لهم، ولكنهم لن يلقوا قبولا مجتمعيا أو رضا شعبيا، ومساحة نجاحهم محدودة، ومع أول فرصة لحدوث انفراجة حقيقة ستبدد كل هذا ويتحول إلى سراب لا قيمة له”.

واعتبرت الدراسة أن “تراجع الفاعلية إلى الاستغلال السياسي للطرق الصوفية فقط من أجل استقرار النظم الاستبدادية وتسكين الغضب المجتمعي… ووصل الاستغلال إلى حد السيطرة عليها، واستئناسها، وجعلها جزءًا من مؤسسات الدولة.”

هذا المقطع يُعد من أهم ما ورد في الدراسة، حيث يُشير إلى أن الطرق الصوفية تحولت من فاعل مستقل إلى أداة في يد السلطة، خاصة بعد 2013.

حكماء بنوا الصوفية

ولفتت الدراسة إلى أن “أبوظبي تعمل على إيجاد “الإسلام البديل” أو تسويق “الإسلام الأميركاني”، فأنشأت في 2014 “مجلس حكماء المسلمين” للوقوف في وجه “اتحاد علماء المسلمين” الذي تعتبر الإمارات بعض أعضائه إرهابيين، ولتواجه في نفس الوقت الوهابية في السعودية.

وقالت: إنه “من اللافت في “مجلس الحكماء” أن أغلبية أعضائه هم من المحسوبين على “الصوفية”، في محاولة إلى الدفع بالحركات الصوفية إلى واجهة العمل الإسلامي في المنطقة، وهو ما رأى فيه مراقبون سعيا إماراتيا لإبراز هذه الحركات وتقديمها كنموذج “معتدل” للإسلام، وذلك لأنها تتميز عن غيرها من الحركات الإسلامية بالابتعاد عن السياسية، والدوران في فلك الحكام والأنظمة”.

كما تضم قائمة المؤسسين أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي كان والده شيخ طريقة صوفية فيما اعترف الطيب أنه يتبع طريقة صوفية دون أن يسميها، مشيرا إلى أن في الأزهر عدة مشايخ لطرق صوفية مصرية. ومن أندونيسا الدكتور محمد قريش شهاب وزير الشؤون الدينية سابقا في إندونيسيا والمعروف بنزعته الصوفية، كما يشارك في عضوية المجلس الأمير الأردني غازي بن محمد بن طلال المعروف بنزعته الصوفية؛ ومؤلف كتاب “الحب في القرآن” والمقرب من مشايخ الصوفية المعروفين وأبرزهم الحبيب الجفري وعلى جمعة وغيرهم”.

دعم من الغرب

وأكدت الدراسة أن “الصوفية تحظى بدعم سخي من الدول الغربية والخليجية ويتبوؤن مناصب رفيعة وتُفتح لهم مساحات واسعة في الإعلام الحكومي، ويحصلون على دعم مادي ومعنوي يفوق الخيال، لكنهم رغم كل هذه الإمكانات الضخمة لا يزال تأثيرهم محدودا، وحتى المؤسسات التي أنشأتها الإمارات مثل  المركز العالمي للتجديد والترشيد (GCRG)، وتلميع الرموز الصوفية وتنظيم المؤتمرات العالمية لكن ذلك يبدو محدود الأثر ولا يتجاوز الاهتمام الإعلامي الحكومي الذي يُراد منه تضخيم الحالة الصوفية والدعاية لها بوصفها الإسلام الصحيح المعتمد من النظم والحكومات، فرموز الصوفية مفروضون بقوة السلطة وهذا أقصى ما يمكن فعله، أما أي مواجهة فكرية فهم الطرف الأضعف والأقل تأثيرا على  الدوام”.

 

 

https://almasarstudies.com/egyptian-sufis-and-politics/