في حلقة جديدة من مسلسل التفريط والخضوع، أقدم المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي على تسليم القرار في معبر رفح المصري إلى الاحتلال الإسرائيلي، ليؤكد مرة أخرى أن سيادته على حدود بلاده مجرد شعار أجوف. فالرجل الذي خرج في مشهد مهين ليقول "لا أستطيع إدخال المساعدات بالقوة"، تناسى أن المعبر مصري بالكامل، وأنه لا يحق لإسرائيل التحكم فيه إلا بإذعان القاهرة التام.
فمنذ أن وضعت قوات الاحتلال يدها على الجانب الفلسطيني من المعبر في مايو 2024، ودمرت منشآته وأحرقت مبانيه، لم تحرك مصر ساكناً. بل صمت السيسي تماماً أمام الخروقات الإسرائيلية لاتفاق الهدنة الذي رعته إدارة ترامب، ذلك الاتفاق الذي رُوِّج له إعلام السيسي باعتباره إنجازاً دبلوماسياً، بينما لم يكن أكثر من زفة سياسية في قاعة شرم الشيخ، لعب فيها السيسي دور مؤجر القاعة لا الضامن للاتفاق.
واليوم، تتحدث خارجية الاحتلال عن احتمال إعادة فتح المعبر الأحد المقبل، وفق ما أعلنه وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر خلال مؤتمر في نابولي، مؤكداً أن "الاستعدادات جارية"، دون أن يوضح إن كان السماح سيمتد للمساعدات الإنسانية أم سيقتصر على عبور الأشخاص.
وتزامناً مع ذلك، أعلن مكتب منسق أنشطة جيش الاحتلال أن "فتح المعبر سيتم بتنسيق كامل بين تل أبيب والقاهرة"، مشدداً على أن المساعدات الإنسانية لن تمر عبر رفح، بل ستدخل فقط عبر معبر كرم أبو سالم بعد التفتيش الإسرائيلي، في إشارة فاضحة إلى انتزاع القرار المصري من جذوره.
اللافت أن الاحتلال لا يخفي هيمنته المطلقة، إذ يربط فتح المعبر بتسليم "حماس" جثث الأسرى الإسرائيليين المتبقية، وكأن رفح المصرية تحوّلت إلى ورقة مساومة إسرائيلية، لا إلى معبر سيادي يفترض أن يخضع لإرادة القاهرة.
ورغم مرور أشهر على سيطرة الاحتلال على الجانب الفلسطيني من المعبر، لم يتدخل السيسي لوقف الانتهاك أو لتذكير تل أبيب بالتزاماتها وفق ما سُمّي "اتفاق ترامب"، الذي نصّ على بقاء مصر وقطر وتركيا ضامنين لآليات الهدنة، إلا أن إسرائيل نسفته مراراً عبر قصفها للأهداف المدنية وتعليقها المتكرر لفتح المعبر.
وتتواصل المأساة في غزة، إذ تشير الإحصاءات إلى أن الاحتلال قتل أكثر من 67 ألفاً و938 فلسطينياً وأصاب 170 ألفاً آخرين منذ بدء الإبادة في السابع من أكتوبر 2023، معظمهم من النساء والأطفال، بينما أزهقت المجاعة أرواح 463 شخصاً بينهم 157 طفلاً، في ظل صمت رسمي مصري لم يعد يثير سوى الغضب والعار.
رمز لتنازل السيسى
لم يعد معبر رفح مجرد ممر إنساني مغلق بقرار الاحتلال، بل أصبح رمزاً صارخاً لتنازل السيسي عن السيادة المصرية، وتعبيراً عملياً عن شراكة النظام مع آلة الإبادة الصهيونية، في الوقت الذي يكتفي فيه بترديد العبارات المهينة عن "عدم القدرة على إدخال المساعدات بالقوة"، وكأن مصر لم تعد دولة تملك قرارها، بل بوابة خاضعة لإرادة المحتل.