أثارت وفاة أحمد مصطفى، المعروف بـ"أحمد جزيرة"، 35 عامًا، داخل قسم شرطة إمبابة بالجيزة، امتعاضا وغضبا وساعا بين المهتمين والحقوقيين وسط شبهات تعذيب وسوء معاملة خلال احتجازه على ذمة قضية مخدرات وسط حالة انتهاك خطير فيما يعرف بالإفلات من العقاب فضلا عن غياب المحاسبة والرقابة، ما يثير مخاوف من تكرار مثل هذه الانتهاكات بشكل يومي.
وقالت أسرته إن إدارة القسم ضغطت عليهم لتوقيع إقرار بوفاته نتيجة "هبوط الدورة الدموية"، مقابل تسليم الجثمان من مشرحة مستشفى الصدر بإمبابة، فيما شهد الحجز أوضاعًا كارثية وازدحامًا شديدًا بين المحتجزين، ما دفع للمطالبة بفتح تحقيق عاجل.
وفاة المواطن أحمد مصطفى المعروف بـ"أحمد جزيرة" داخل قسم شرطة إمبابة يوم 10 نوفمبر 2025 أثارت جدلًا واسعًا، وسط شهادات تتحدث عن التعذيب وسوء المعاملة وظروف احتجاز غير آدمية.
وكان أحمد مصطفى محتجزًا منذ نحو ثلاثة أسابيع على ذمة قضية تتعلق بالاتجار بمخدر "الآيس"، ولم يكن يعاني من أمراض قبل احتجازه، بحسب أسرته وشهادات مقربين.
ونقلت منظمات ومنصات حقوقية شهادات تصف القسم بأنه مكتظ بشكل كارثي، حيث يضم نحو 700 محتجز داخل أربع غرف فقط من أصل 11 غرفة ما يعني أن المساحة المتاحة لكل محتجز؛ حوالي 35 سنتيمترًا فقط لكل إنسان ويعني التكدس غياب التهوية، وانعدام أشعة الشمس، وانتشار الأمراض الجلدية، وحرمان من الطعام والزيارات.
ووصف أحد الشهود القسم بأنه "أوسخ من أي قسم في الدنيا"، مشيرًا إلى أن المباحث "متوحشة" في تعاملها مع المحتجزين.
وقالت تقارير حقوقية إن وفاة محتجزين آخرين داخل قسم شرطة إمبابة في ظروف غامضة، منها وفاة الشاب شهاب أحمد كحلة (25 عامًا) في يونيو 2024، وسط اتهامات بالإهمال الطبي وسوء التهوية.
واعتبرت منظمات حقوقية قسم إمبابة واحدًا من أسوأ أماكن الاحتجاز في مصر، بسبب التكدس الكبير، نقص الرعاية الصحية، وغياب الرقابة الرسمية.
ووثّقت منظمات حقوقية 24 حالة وفاة بين يناير 2024 ويونيو 2025 في أقسام مختلفة، بينها إمبابة وإحضاء آخر نشرته (بوابة الحرية والعدالة) نقلا عن المنظمات من أن عدد الوفيات داخل السجون وأماكن الاحتجاز ارتفع منذ بداية عام 2025 إلى 37 حالة وفاة، مشيرة إلى توثيقها 50 حالة وفاة خلال عام 2024.
وفي قسم شرطة إمبابة شهد خلال عام واحد أكثر من حالة وفاة موثقة، أبرزها وفاة أحمد مصطفى في نوفمبر 2025، وقبله شهاب كحلة وثلاثة آخرين في يونيو 2024. هذه الحوادث تأتي ضمن نمط متكرر من الوفيات الغامضة داخل أماكن الاحتجاز في مصر، حيث يتم الربط بين سوء الأوضاع، التعذيب، والإهمال الطبي.
وكان شهاب أحمد كحلة، 25 عامًا والمقيم في منطقة إمبابة، في محافظة الجيزة يعاني من ضيق التنفس بسبب الحرارة الشديدة وسوء التهوية داخل الحجز، بعد وقوع مشاجرة مساء الخميس بين مجموعة من الأشخاص المحتجزين، ومن ضمنهم السيد شهاب.
وتم تكبيلهم واحتجازهم جميعًا. ووفقًا للمعلومات المتوفرة، فإن السيد شهاب عانى من ضيق الكلابشات، وتفاقمت معاناته بسبب الحر الشديد وسوء التهوية والأوضاع غير الملائمة داخل الزنزانة.
وفي أغسطس 2015 قتل ضباط قسم إمبابة الشاب محمد عبد النبي خليل الشويخ 22 عاما، على أثر التعذيب.
وفي 13 أكتوبر، رصد حقوقيون وفاة الشاب خليل محمد ابو هبه من سكان مدينة المحلة الكبرى، داخل قسم شرطة ثالث المحلة نتيجة تعذيبٍ مميت تعرض له أثناء احتجازه.
وفي سبتمبر 2025، تعرض الطالب المقتول أيمن صبري، داخل قسم شرطة بلقاس في الدقهلية، لأسبوع من التعذيب قبل إعلام وفاته.
وفي 27 أغسطس الماضي، رصدت حقوقيون وفاة المحتجز الشاب مهند أحمد عبد العظيم الفقي (30 عامًا) داخل قسم شرطة منوف بمحافظة المنوفية جراء تعرضه للتعذيب.
وفي 25 من الشهر ذاته، استمر مسلسل القتل خارج إطار القانون بوفاة الشاب سيف إمام، 23 عاما، تحت التعذيب داخل قسم عين شمس بالقاهرة، عقب أيام قليلة من القبض عليه بدعوى سرقة هاتف محمول.
ولم يمض سيف على احتجازه سوى أيام معدودة، تعرض أولًا للاختفاء القسري لثلاثة أيام قبل عرضه على النيابة، التي اكتشفت أن الهاتف الذي اعتُبر "حرزًا" لم يكن سوى هاتفه الشخصي.
واستعرضت منصة @Jewar0 في أغسطس اتهام من سيدة تُفضح الداخلية بعد مقتل ابنها تحت التعذيب داخل قسم شرطة بالوادي الجديد.
وفي أغسطس الماضي أيضا، استغاث المعتقل هشام ممدوح، المحتجز في قسم الخليفة؛ بعد تعرضه للضرب والتعذيب والإهانة والإهمال الطبي ومنع العلاج عنه.
6 وفيات خلال أيام
وشهدت السجون المصرية 6 وفيات في أيام متتالية، بحسب ما رصدته منظمة هيومن رايتس إيجيبت:
1. وائل يوسف خيري بشارة – "كيرلس" (20 عامًا) – 13 أغسطس 2025 – قسم الأهرامات، الجيزة – وفاة نتيجة التعذيب بعد أسبوع من القبض عليه.
وتوفي الشاب وائل كيرلس جراء التعذيب على يد ضباط قسم الأهرام بالجيزة، بينهم مأمور القسم ورئيس المباحث، وأسرة الضحية تطالب بالتحقيق الفوري في الواقعة.
2. علي حسن عامر (77 عامًا) – 15 أغسطس 2025 – سجن وادي النطرون، الجيزة – وفاة داخل السجن بعد 12 عامًا من الاعتقال بسبب الإهمال الطبي.
3. حازم فتحي – 16 أغسطس 2025 – سجن نجع حمادي، قنا – وفاة نتيجة التعذيب.
4. رمضان السيد حسن – "إسلام" – 16 أغسطس 2025 – قسم المنشيّة، الإسكندرية – تعرض للضرب أثناء الاحتجاز حتى الوفاة.
5. محمد أحمد سعد – "الصاوي" – 16 أغسطس 2025 – قسم المنشيّة، الإسكندرية – وفاة بسبب الإهمال الطبي وتدهور الحالة الصحية.
وفي قسم المنشية بالإسكندرية، توفي المحتجزين رمضان ومحمد في أسبوع واحد فقط وكان رمضان ألقى القبض عليه بدلًا من شقيقه، بزعم تورط الأخير في قضية نصب على أفراد من إحدى العائلات ذات النفوذ البرلماني والسياسي، وتعرض خلال احتجازه إلى التعذيب حتى الموت.
6. وليد أحمد طه – 16 أغسطس 2025 – قسم ثاني شبرا الخيمة – وفاة بعد احتجازه ورفض التنازل تحت ضغط القسم نتيجة التعذيب.
تم توثيق أكثر من 50 حالة وفاة بين السجناء عام 2024، و137 حالة بين 2022 و2024 نتيجة التعذيب والإهمال الطبي.
وتطالب منظمات حقوية بفتح تحقيق مستقل في ظروف الوفاة ومحاسبة المسؤولين، وتدعو لإصدار قانون شامل لمناهضة التعذيب وتحسين أوضاع أماكن الاحتجاز.
