ليست هناك كثير من الشفافية في التسريب الأخير لعبد الله الشريف الذي لا يعد مجرد كشف إعلامي، بل هو ورقة ضغط سياسية تهدف إلى التشكيك في وحدة الأسرة الحاكمة، وتعزيز خطاب المعارضة السعودية التي يقودها أمراء بأن مشروع محمد بن سلمان يواجه مقاومة داخلية، وإظهار أن الاستقرار المعلن في السعودية قد يكون مهددًا من الداخل، أما الشفافية المطلوبة فهي على المستوى المحلي.
https://www.youtube.com/watch?v=wzW0OJagP5k
حيث ركز التسريب الأخير لعبد الله الشريف، على مكالمة منسوبة للأمير سلطان بن مشعل بن عبد العزيز (ابن عم ولي العهد محمد بن سلمان)، حيث كشف عن خلافات داخل الأسرة الحاكمة السعودية، ما اعتُبر إشارة إلى اهتزاز الثقة الداخلية بالنظام.
وقال مشعل ضمن ما قال: "عاوز تحاكمني تبقى تحاكم العالم كله، إذا بده يحاسب يحاسب الكل، والملفات كلها معايا، يلا خيلنا نطلع قدام الشعب إن الأمراء فاسدون والقضاة فاسدون، وخليك على حكم الشعب، وخلينا نشوف شعبنا".
ونشر عبد الله الشريف @AbdullahElshrif (مصري الجنسية، مقيم بالولايات المتحدة، محسوب على المعارضة في الخارج) تسريبًا خطيرًا للأمير سلطان بن مشعل، يهاجم فيه الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، ووزير العدل، وآخرين، وسبهم بألفاظ نابية، وكشف فيه عن قضايا فساد ضخمة تتعلّق بكبار أمراء آل سعود وملوك السعودية أنفسهم.
وجاء حديثه هذا غضبًا من ابن سلمان ورجاله، بعدما حاول محاسبته بالطريقة نفسها التي اتّبعها مع الشخصيات التي احتجزها في الريتز كارلتون عام 2017.
تزامن مع خلاف مصري سعودي
وغياب الشفافية هي تساؤلات طرحها مراقبون على السوشيال ميديا، وذلك لتزامن نشر التسريب الأخير لعبدالله الشريف وبروز خلافات مصرية–سعودية ما يحمل برأيهم دلالة سياسية واضحة، حتى لو لم يكن مصادفة بالكامل تؤثر بلا شكك على إلغاء أي فرصة للحوار بين السعودية والمعارضة المصرية، والذي في العادة يكون لمغايظة السيسي (وعلى كل كانت خطوة في مصلحة الانقلاب) الذي فتك بالأموال السعودية لجيبه ومنها ما لا يقل عن 10 مليار دولار تتبعها ولي العهد السعودي بنفسه في بنوك سويسرا، وأرسل رسالة للسيسي من خلال برنامج "مع معتز" قبل نحو عامين.
واعتبر المراقبون أن إذاعة التسريب له أبعاد منها أنه رسالة موجهة في وقت توتر العلاقات بين القاهرة والرياض يضاعف أثره، لأنه يضعف صورة السعودية أمام الرأي العام المصري ويُظهرها كمنقسمة داخليًا ويأتي في صالح القاهرة التي وجهت لكمة غير مباشرة من طرف يفترض أنه يوازن بين الأشد ضررا من الجانبين فيوجه له اللكمات أو يترك أحد السعوديين ليوجه هذه اللكمة.
الرسالة التي قالت: إن "المعارضة المصرية قد تستغل هذا التوقيت لتأكيد أن السعودية ليست حليفًا مستقرًا، وبالتالي تُضعف موقفها في أي تفاوض أو تنسيق مع مصر" يبدو أنها خاطئة، حيث أن الطرف المصري منذ 3 يوليو 2013 وحتى ساعته ليس طرفا نزيها يخشى عليه من التحالفات المستقرة بل هو نجس يسعى وراء تلطيخ سمعة الأطراف الأخرى لاستغلال خوفهم نحو مزيد من الإذعان والاستغلال".
ومن الأبعاد التي ترجمها اللجان عن تسريب عبدالله الشريف من اللجان أنها تخدم الانقلاب أمام المتابعين للخلافات مع السعودية، وعرض تسريب عن الأسرة المالكة في نفس اللحظة يجعل الرسالة أكثر إقناعًا: "النظام السعودي ليس متماسكًا حتى داخليًا، وأن التحالفات الإقليمية (خاصة بين مصر والسعودية) ليست محصنة، وأن أي خلاف سياسي يمكن أن يُستغل إعلاميًا لإضعاف أحد الطرفين.
وهذا ليس أول تسريب لعبد الله الشريف عن السعودية بل سبق أن نشر تسريبات صوتية وفيديوهات في حلقات سابقة، أبرزها ما عُرف بـ "تسريبات آل سعود" التي تناولت مكالمات منسوبة لأمراء سعوديين وانتقادات داخلية للنظام.
وبدأ عبد الله الشريف منذ سنوات في نشر حلقات على قناته تتضمن ما يسميه "تسريبات آل سعود"، حيث يعرض مكالمات أو وثائق منسوبة لأمراء ومسؤولين سعوديين.
ومن أشهر التسريبات السابقة أنه في الحلقة 33 وضمن الموسم الرابع عرض تسريبات عن خلافات داخل الأسرة المالكة وفي الموسم التاسع نشر تسريبًا صوتيًا منسوبًا للأمير سلطان بن مشعل، يتحدث فيه عن نفوذ تركي آل الشيخ وعلاقته بالقصر السعودي.
وأثارت التسريبات جدلًا واسعًا، حيث اعتبرها البعض "زلزالًا سياسيًا"، بينما وصفها الإعلام السعودي أنها مفبركة أو "فيلم هابط".
وعلق حساب رجل دولة @Stateman_KSA (يعتقد أنه لسعودي معارض) قائلا: "جنَّ جنون بن سلمان بعد سماعه التسريب الذي نشره الإعلامي المصري عبد الله الشريف، خصوصاً أن التسريب فيه سب وشتم للأعراض، إضافة إلى أنه كشف شيء من خفايا القضاء وقضية الشبوك والعوائل المتحالفة مع آل سعود وشبكات غسيل الأموال التي يديرها الأمراء، حقيقة ليس بن سلمان وحده انزعج بسبب التسريب، الكثير من الأمراء ساءهم الأمر لأنه مس عائلة آل سعود بأكملها".
ومن دلائل عامة للتسريب أنه يكشف أن الخلافات ليست فقط بين الشعب والنظام، بل تمتد إلى داخل الأسرة الحاكمة حيث هناك تيارات متباينة داخل الأسرة المالكة، بعضها غير راضٍ عن سياسات ولي العهد، وأن الفيديوهات المصاحبة للتسريب صيغت بطريقة درامية، لتضخيم أثره وإيصال رسالة قوية للجمهور وإلى المجتمع الدولي (مع زيارة قريبة جدا لبن سلمان للقاء ترامب في واشنطن) بأن الاستقرار الداخلي في السعودية ليس كما يُروّج له.
زيارة الولايات المتحدة
ويتضمّن جدول زيارة الدولة، المقرّرة على الأرجح في منتصف نوفمبر الجاري، بحسب "نيويورك تايمز" توقيع اتفاق دفاع مشترك بين السعودية والولايات المتحدة، وفقًا لمسؤول أمريكي وشخص آخر مطّلع على ترتيبات الزيارة.
وقال المصدران، اللذان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما لبحث مفاوضات حسّاسة: إن "الاتفاق سيكون مشابهًا لاتفاق أمني أبرمته الولايات المتحدة مؤخرًا مع قطر".
كما تسعى السعودية للحصول على مقاتلات F-35 الشبح — وهي الأكثر تطورًا ضمن الطائرات الحربية الأمريكية — لتعزيز سلاحها الجوي، بحسب المصدرين نفسيهما، كما أبدى المسؤولون السعوديون رغبتهم في المضيّ قدمًا نحو صفقة محتملة تتيح للمملكة الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية لتطوير برنامج نووي مدني.
ويُعدّ تأمين اتفاق نووي واتفاق دفاعي — حتى وإن لم يكن معاهدة تُصدّق عليها الكونجرس كما طلب الأمير سابقًا — إنجازًا كبيرًا لولي العهد محمد بن سلمان.
وكانت إدارة الرئيس بايدن قد أجرت محادثات معه حول هذين الملفين، لكنها أصرت على أن تُطبع السعودية علاقاتها مع “اسرائيل” مقابل ذلك، غير أن تلك المحادثات تعثّرت بعد اندلاع الحرب في غزة، وتصاعد الغضب الشعبي في أنحاء الشرق الأوسط ضد إسرائيل.
لكن ذلك لن يمنع الرئيس ترامب من المحاولة، ففي مقابلة مع مجلة تايم بتاريخ الخامس عشر من أكتوبر، قال إنه يعتقد أنه “قريب جدًا” من التوصل إلى اتفاق تُقيم بموجبه السعودية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، متنبئًا بأن ذلك سيحدث قبل نهاية العام.
وقال في مقابلة مع قناة فوكس بزنس في أكتوبر، في إشارة إلى الصراع في غزة: “لم يكن بإمكانهم فعل ذلك أثناء الحرب، أما الآن، مع وجود وقف هشّ لإطلاق النار، فسيحدث ذلك.”
إلا أن علي الشهابي، وهو محلل سعودي مقرّب من دوائر صنع القرار في المملكة، قال: إن "إنشاء علاقات رسمية بين البلدين يبدو “شبه مستحيل” قبل نهاية العام، “ما لم يحدث تغيّر اقرب للمعجزة في إسرائيل".
وأضاف أن ولي العهد، البالغ من العمر 40 عامًا، يرى أن التطبيع مشروط بأن تتخذ “اسرائيل” “خطوة كبيرة ونهائية نحو إقامة دولة فلسطينية".
وأضاف الشهابي أن اتفاقًا سعوديًا إسرائيليًا هو ورقة الضغط الجدية الوحيدة المتبقية بيد دولة عربية يمكن استخدامها لصالح الفلسطينيين، وقال: “المملكة تريد استخدام هذه الورقة لحلّ المشكلة نهائيًا من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي المنشود منذ زمن طويل".
غير أن ذلك يبدو مستبعدًا في المناخ الحالي، إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والساسة اليمينيون المتطرفون في ائتلافه أنهم لن يدعموا قيام دولة فلسطينية، ويشارك كثير من الإسرائيليين هذا الموقف، بعد أن صدمتهم هجمات السابع من أكتوبر 2023 التي قادتها حركة حماس وأشعلت حرب غزة، فبالنسبة لهم، إقامة علاقة مع السعودية ليست بنفس أهمية منع قيام دولة فلسطينية.
وقال بدر السيف، الأستاذ المساعد في قسم التاريخ بجامعة الكويت: إن "تصريحات ترامب بشأن التغيير الوشيك بين السعودية وإسرائيل تذكّره بمدرّب حياة يحاول “تجسيد” الأمنيات وتحويلها إلى واقع".
وأضاف أن "معالجة الأسباب الجذرية فقط"، للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يمكن أن تجعل ذلك ممكنًا، ويعود ذلك جزئيًا إلى مواقف المواطنين السعوديين؛ إذ أظهر استطلاع أُجري في أواخر عام 2023 أن السعوديين يعارضون بشدة إقامة علاقات مع إسرائيل.
ويقول محللون: إن "الأمير ما يزال مضطرًا لأخذ الرأي العام في الحسبان عند اتخاذ قراراته، على الرغم من أن المملكة أصبحت أكثر استبدادًا في عهد الأمير محمد".
وسيُعدّ الزيارة الرسمية إلى الولايات المتحدة حدثًا بالغ الأهمية بالنسبة للأمير محمد، فقد كانت آخر زيارة له عام 2018، عندما قام بجولة فخمة استمرت ثلاثة أسابيع التقى خلالها الرئيس ترامب وكبار رجال الأعمال والإعلام الأمريكيين، ووجّه خلالها رسالة مفادها أن المملكة الغنية بالنفط تسير نحو تنويع اقتصادها وتحولها الاجتماعي، بما في ذلك منح المرأة مزيدًا من الحقوق.
لكن بعد أشهر قليلة، قام عملاء سعوديون بقتل وتقطيع الصحافي السعودي المنفي جمال خاشقجي، كاتب العمود في واشنطن بوست، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وقد واجه الأمير محمد إدانة دولية واسعة، إذ خلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أنه هو من أذن بقتل خاشقجي، وتجنّب العديد من قادة العالم ورجال الأعمال الذين كانوا يرحبون به سابقًا التعامل معه بعد تلك الحادثة.
ونفى الأمير محمد أي دور مباشر له في الجريمة، لكنه أقرّ بمسؤوليته الرمزية بصفته الحاكم الفعلي للبلاد.
ولكن العزلة الدولية لم تدم طويلًا؛ فبعد أشهر قليلة بدأ كبار المصرفيين الأمريكيين يعودون تدريجيًا إلى المملكة، وفي عام 2022 قام الرئيس جو بايدن بزيارة السعودية للقاء الأمير محمد، وتبادل معه التحية بقبضة اليد.
حتى الآن، لم يعد الأمير محمد إلى الولايات المتحدة منذ ذلك الحين، ويقول أنصاره: إن "زيارته المرتقبة ستغلق صفحة مضطربة من تاريخه السياسي، مؤكدين أنه أصبح اليوم رقمًا صعبًا في السياسة العالمية لا يمكن تجاهله".
