تغوّل الاقتصاد العسكري يلتهم السوق… والسكر نموذج صارخ لانهيار القدرة الشرائية
تواصل الأسعار في مصر التحليق خارج كل منطق اقتصادي، في مشهد يراه اقتصاديون ومراقبون انعكاسًا مباشرًا لهيمنة الاقتصاد العسكري على مفاصل السوق، واحتكار شبكات نافذة داخل مؤسسات الدولة لعمليات الاستيراد والتوزيع للسلع الإستراتيجية، وعلى رأسها السكر والزيوت.
هذا الاحتكار – وفق تقديرات خبراء الاقتصاد – ألغى فعليًا آليات العرض والطلب، وأخرج الأجهزة الرقابية من المشهد، وفي مقدمتها وزارة التموين والتجارة الداخلية، التي بدت غائبة تمامًا أمام موجات الغلاء المتتالية. من 3 جنيهات إلى 30 جنيهاً.
السكر يروي قصة “شبه الدولة” يشير المواطنون والموزعون إلى المقارنة الفجّة بين عقود ماضية شهدت استقرارًا نسبيًا في أسعار السلع الأساسية، إذ لم يتجاوز سعر كيلو السكر 3 جنيهات في عهد حسني مبارك والرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، بينما يقف اليوم عند 30–45 جنيهًا، رغم الحديث الرسمي عن وفرة في الإنتاج المحلي وتراجع أسعار التوريد من المصانع بنحو 2000 جنيه للطن الأسبوع الماضي.
وبرغم انخفاض التكلفة على كبار الموردين، لم تتراجع أسعار التجزئة، وهو ما يفسّره مراقبون بغياب المنافسة الحقيقيّة وسيطرة حلقات توزيع محمية من أي محاسبة، في ظل إدارة اقتصادية مركزية تُعيد إنتاج الأزمة بدل معالجتها.
قرارات حكومية لا تخدم السوق ورغم ارتفاع الإنتاج المحلي إلى نحو 2.9 مليون طن سنويًا – ما يقترب من حجم الاستهلاك القومي – اتجهت الحكومة لحظر استيراد السكر المكرر ثلاثة أشهر، بدعوى دعم المنتج المحلي. لكن خبراء يرون أن القرار يخنق المنافسة ويزيد احتكار كبار الموردين، بدلاً من ضبط السوق أو إجبار الموزعين على خفض الأسعار.
وفي الوقت نفسه، تُفتح الأبواب على مصاريعها أمام مصانع التكرير لاستيراد السكر الخام لحسابها، بينما يُحرم السوق من أي منافس خارجي قادر على كسر دوائر الاحتكار.
رمضان يلوّح… والأسعار ترتجف
يُرجع موزعون استمرار الارتفاع إلى مخاوف من نقص المعروض قبل شهر رمضان، الذي تتضاعف فيه معدلات الاستهلاك، بينما تشهد تكلفة الإنتاج المحلي ارتفاعات متتالية بفعل ارتفاع أسعار الوقود والنقل.
ورغم تحذيرات الخبراء من تراجع جديد محتمل في قيمة الجنيه، ما قد يعيد الأسعار للارتفاع فورًا، تشير تقديرات غرفة تجارة القاهرة إلى أن مخزون السكر التمويني يكفي نحو 13 شهرًا، أي ضعف حد الأمان الذي تستهدفه وزارة التموين نفسها.
زيوت الطعام… ثبات عند مستويات مرتفعة
وفيما يتعلق بالزيوت، حافظت الأسعار على استقرار نسبي عند حدود مرتفعة، ما بين 65 و110 جنيهات للكيلو، وسط مخزون استراتيجي يكفي ستة أشهر. لكن هذا “الاستقرار” ليس سوى توقف مؤقت في حلقة الارتفاعات، بفضل ضغوط حكومية تمنع الموزعين من رفع الأسعار في ظل ركود الطلب وتراجع القوة الشرائية.
اقتصاد بلا بوصلــة… ومواطن يتحمل الفاتورة
يرى محللون أن جوهر الأزمة لا يتمثل في سلعة بعينها، بل في بنية اقتصادية أُخضعت بالكامل لإدارة مركزية تعتمد على التوسع العسكري في الاقتصاد، وتهميش القطاع المدني، وتعطيل آليات الرقابة والمحاسبة.
وهو ما ينعكس في أسعار “غير واقعية” لسلع يفترض أنها أساسية، مثل السكر والزيت، وفي تآكل القدرة الشرائية للمواطن، الذي بات يدفع وحده ثمن تداخل المصالح وغياب الشفافية.
في النهاية، لا يجد كثير من المصريين وصفًا أدق للحالة الاقتصادية الحالية سوى العبارة التي قالها رأس السلطة بنفسه: “نحن في شبه دولة”.
لكنّ خبراء الاقتصاد يضيفون: شبه دولة… وشبه سوق… وشبه رقابة.
