سد النهضة .. نفوذ سياسي لأثيوبيا وفشل غير مسبوق لنظام السيسي

- ‎فيتقارير

تصاعدت أزمة سد النهضة في ظل الوضع الحرج الذي يواجهه نظام الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي أمام التعنت الأثيوبي المتواصل منذ أكثر من 12 عاما فرغم توقيع السيسي مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير على ما يعرف باتفاق المبادئ في عام 2015 والذي منح أثيوبيا فرصة ذهبية لبناء السد، إلا أن آبي أحمد رئيس وزراء أثيوبيا يرفض التوقيع على اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب لإدارة وتشغيل السد، بل واعتبر الاتفاقيات المنظمة لتوزيع مياه النيل اتفاقيات استعمارية عفا عليها الزمن وأن من حق أثيوبيا استغلال مياه النيل بما يعود بالفائدة عليها .

وتصر إثيوبيا على تقديم السد باعتباره مشروعًا تنمويًا يهدف إلى توليد الطاقة الكهربائية، في حين أن الواقع أن سد النهضة يتحول إلى أداة نفوذ سياسي أو وسيلة ضغط مائي، خاصة خلال فترات الجفاف أو الفيضان.

 

ورقة ضغط إقليمي

 

في هذا السياق قال أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية، الدكتور علاء عبد الله الصادق: إن "التشغيل الأحادي للسد أدى إلى اضطرابات مفاجئة في مناسيب المياه داخل السودان، وظهور مؤشرات مقلقة على إمكانية التأثير غير المنسّق في تدفقات النيل الأزرق، ما يعزز المخاوف من استخدام المياه كورقة ضغط إقليمي".

وأوضح الصادق في تصريحات صحفية أن ما يثير الشكوك من السلوك الإثيوبي لدى دول المصب هو رفض التوقيع على اتفاق ملزم، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن إثيوبيا وافقت مبدئيًا، منذ عام 2015، عبر إعلان المبادئ، على التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، فإن هذا الالتزام ظل حبرًا على ورق، إذ لم تترجم الموافقة إلى اتفاق فعلي.

وأشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تصريحات رسمية إثيوبية متشددة ترفض أي التزام قانوني، أو رقابة دولية، أو مشاركة لمصر والسودان في إدارة السد، متسائلا : لماذا ترفض دولة تصف مشروعها بأنه «تنموي بحت» وضع قواعد تشغيل واضحة وآمنة؟ لا سيما أن قضايا المياه العابرة للحدود نادرًا ما تخلو من دوافع سياسية أو استراتيجية.

 

أوقات الجفاف

 

وحذر الصادق من أن السيناريوهات المحتملة، خاصة في أوقات الجفاف، تعد الأخطر، حيث يشكّل النيل الأزرق أكثر من 85% من إجمالي المياه الواصلة إلى مصر، وفي حال حدوث جفاف شديد، يمكن لإثيوبيا، إذا رغبت، تقليص كميات المياه المفرغة من السد لصالح التخزين الداخلي، ما يترتب عليه نقص مياه الشرب والري، وتراجع إنتاج الكهرباء من السد العالي، وضغوط اقتصادية مباشرة على مصر والسودان.

ولفت إلى أن خبراء دوليين حذروا من أن سدًا بهذا الحجم، في غياب اتفاق ملزم، يمنح إثيوبيا قدرة فعلية على التحكم في شريان حياة يخص أكثر من 150 مليون إنسان، خاصة أن ما شهدته السودان مؤخرًا من ارتفاع وانخفاض مفاجئ في مناسيب النيل الأزرق يُعد مؤشرًا مقلقًا، وليس حادثًا معزولًا مؤكدا أن التحكم الأحادي في فتح وإغلاق بوابات السد، دون إخطار مسبق لدول المصب، يربك إدارة السدود السودانية، مثل الروصيرص وسنار، ويخلق حالة دائمة من عدم اليقين.

وقال الصادق: إن "إثيوبيا تستخدم السد كورقة نفوذ لتحسين موقعها التفاوضي، إذ ترى أديس أبابا أن امتلاك القدرة على التأثير في تدفق مياه النيل يمنحها أوراق ضغط في ملفات أخرى، مثل الحدود والاقتصاد والنفوذ الإقليمي، إضافة إلى حسابات الداخل الإثيوبي، حيث تواجه الحكومة تحديات داخلية معقدة «عرقية، اقتصادية، وأمنية»، وغالبًا ما تلجأ الأنظمة تحت الضغط إلى خلق صراعات خارجية لتوحيد الجبهة الداخلية".

 

اتفاق ملزم

 

ولفت إلى أن إثيوبيا لم تواجه حتى الآن عقوبات أو ضغوطًا دولية مؤثرة، ما يمنحها هامشًا واسعًا للمناورة والتصلب في المواقف، مطالبا بضرورة التمسك باتفاق ملزم، حيث أن المطلوب ليس اتفاقًا سياسيًا عامًا، بل إطارًا تقنيًا وقانونيًا واضحًا يضمن التشغيل الآمن ويحمي شعوب المنطقة من التقلبات المفاجئة.

وشدد الصادق على أهمية تدويل الملف بذكاء لا بانفعال، لأن قضية المياه ليست خلافًا سياسيًا عابرًا، بل مسألة وجود، موضحًا أن مصر والسودان تمتلكان أدوات قانونية دولية لم تُستخدم بالكامل بعد، تشمل مجلس الأمن والمحاكم الدولية المختصة بالمياه.

 

خطاب مشحون

 

وأكد أنه لا توجد وثيقة رسمية تثبت نية معلنة من إثيوبيا لاستخدام السد ضد مصر والسودان ، لكن في العلاقات الدولية الأفعال أبلغ من التصريحات.

وأشار إلى مجموعة من المؤشرات المقلقة، من بينها بناء السد دون استكمال دراسات الأمان الشاملة، وتنفيذ خمس عمليات ملء أحادي، والرفض المتكرر للاتفاقيات الملزمة، والتغييرات المفاجئة في تدفقات المياه، فضلًا عن خطاب سياسي متشدد ومشحون، مؤكدا أن هذه العوامل مجتمعة تجعل التساؤل مشروعًا، والحذر واجبًا، والتحرك ضرورة لا تحتمل التأجيل.