مبكرا وضع الاحتلال علامة على شخص قريب من القائد أبو عبيدة حذيفة الكحلوت (شقيقه صهيب)، وذلك بتغريدة من أفيخاي أدرعي متحدث جيش الاحتلال في نوفمبر 2023 بعد الطوفان بنحو شهر، يعني أن الاحتلال وصل إلى الدائرة الأضيق، أي المحيط الشخصي والعائلي، منذ وقت مبكر جدا من حرب الإبادة الجماعية، وهو ما يعني أن استهداف القائد أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام لـ14 مرة، وكأنه مؤشر آخر على معرفة متبادلة بين المستهدِف والمستهدَف على مستوى عالٍ من الرصد والملاحقة والتربص بين الطرفين وإصرار حماس على الحركة والمقاومة رغم فارق التقنيات والأسلحة.
والرصد لا يتم فقط عبر أدواته المباشرة، بل بمساعدة أطراف إقليمية ودولية، ما يجعل الاستهداف عملية مركبة ربما تتجاوز حدود فلسطين.
وأعادت حسابات ناطقة بالعربية (غير معلوم هويتها) مثل حساب (@Columbuos) في 11 ديسمبر 2023 ما أدعاه "أدرعي" الذي صدق وهو كذوب، مشيرا إلى أن "اليوتيوبر المشهور" صهيب الكحلوت " نصبته حماس كمتحدث رسمي لها ويحمل جواز سفر تركي وتقدم له مؤسسة اعلامية كبرى في استديوهاتها الخطاب والمونتاج، كما وضعوا له لقبا عربيا ابو عبيده، ويقصد به الصحابي ابو عبيدة الجراح.. أما نسب الكحلوت فهي اسرة تركية هاجرت الى فلسطين قبل مئات السنين".
https://twitter.com/Columbuos/status/1734122825756078149
والداعية الإسلامي صهيب الكحلوت شقيق الشهيد بإذن ربه (أبو عبيدة) حذيفة الكحلوت وهو مقيم بقطر، ولم يتوقف في تغريداته إلى اليوم وكان آخرها نعيه شقيقه الشهيد حذيفة.
الرسالة المعنوية
وتعتبر كتائب القسام أن بقاء قادتها في الميدان أو على المنابر الإعلامية رغم الخطر هو جزء من معركة الصمود، لإظهار أن الاغتيال لا يوقف المقاومة وهو ما فعله رئيس الحركة الذي التحف مانعا للرصد من المسيرات وتحرك في رفح مع الكلاشينكوف وبأمعاء فارغة قبل 3 أيام وكأنه ذاهب إلى الموت..
وتعتمد "حماس" والكتائب على العمل والبنية التنظيمية الواسعة، بحيث لا يتوقف العمل باغتيال قائد أو ناطق، بل يتم تعويضه فورًا وهو ما اتضح بخطاب بالاسم الحركي أو الكنية ذاتها (أبو عبيدة) مع تجهيل هويته مجددا وهو ما يحير الاحتلال الذي يمتلك القدرات الاستخبارية العالية ولا يصل إلى أبو عبيدة الكحلوت إلا بعد نحو عامين من إعلان تربصهم به والدائرة الأضيق له، وبالمقابل يبدو أن "القسام" تستخدم أساليب التخفي، والتمويه، والعمل تحت الأرض، ما يسمح لها بالتحرك حتى في ظل المراقبة وليس أدل من إخفاء عشرات الأسرى لم يحصل الاحتلال منهم سوى على 4 فقط أحياء ورضخ أخيرا لشروط القسام في استبدال من عاش ومن مات تحت القصف.
ويبدو أن ظهور شخصيات مثل أبو عبيدة بوجه مقنّع وصوت معدّل لم يكن رسالة بأن الحركة قادرة على حماية رموزها، بل رسالة للاحتلال "أنك رغم رغم معرفتك بمن نكون وبجزء من تحركاتنا لا تستطيع منعنا من مخاطبة الجماهير وفي لحظات حاسمة يترقبها الشارع في تل ابيب فضلا عن شوارع الأمة من جاكرتا إلى طنجة والرباط ومن اسطنبول إلى جوهانسبرج.
أدوات الرصد
ويشير متابعون إلى أن أدوات الرصد والتجسس كثيرة وهي أحدث أدوات التجسس (كاميرات بحجم الذباب وميكروفونات أقل حجما تلقى في شوارع غزة لكم حذرت منها المقاومة) وفي إطار هذه التقنيات يوظف بالتأكيد الأقمار الصناعية، والطائرات المسيّرة، والتنصت الإلكتروني، والعملاء المحليين لرصد تحركات القيادات وإن كانت الصعوبة التي يواجهها هي في الوصول إلى البنية السرية الكاملة، لذلك يعتمد على ضربات مركزة في توقيتات محسوبة.
جزء من معركة الإرادة
ماذا لدى "حماس" رغم إدراكها للاستهداف إلا أن الوجود العلني والميداني كجزء من معركة الإرادة، (إن اغتيل زيد فجعفر) وأن اغتيال القادة لا يوقف المشروع بل يعزز رمزيته. الاحتلال يرصد بدقة، لكن الحركة تراهن على السرية، والمرونة التنظيمية، والروح المعنوية العالية لمواصلة نشاطها.
تسلل أعضاء الكتائب من رفح
وتحت أعين وبصر الاحتلال، عكس خبر تسلل جنود القسام من رفح (بخلاف 5 قبض عليهم اسرى أقام الاحتلال عليهم زفة وفرح) وعددهم نحو 300 جندي من الأخبار التي تعكس واحدة من أكثر النقاط حساسية في الحرب الجارية وهي قدرة المقاومة على المناورة والتحرك رغم التفوق الاستخباري والتكنولوجي للاحتلال.
وتسلل عشرات من أعضاء الكتائب من رفح، يشير بحسب مراقبين إلى أن كتائب القسام استطاعت تنفيذ عملية انتقال جماعي لعناصرها من منطقة رفح، رغم أن الاحتلال يزعم أنه يراقب كل شبر من هذه المنطقة (ولشهور) عبر الطائرات المسيّرة والأقمار الصناعية، وهو ما يعكس وجود شبكات أنفاق أو طرق سرية، إضافة إلى خبرة ميدانية في التمويه والاختفاء.
وهي تحركات جماعية عادةً تهدف إلى إعادة التموضع أو المشاركة في عمليات واسعة، وقد تكون مرتبطة بمرحلة جديدة من المواجهة.
وتستفيد المقاومة من الغطاء الشعبي، حيث يصعب على الاحتلال التمييز بين المدنيين والمقاتلين في بعض الحالات ولذلك يقتل الجميع حتى لا يخرج من بينهم "حماس" كما فعل فرعون بقتل الأطفال وأنبت الله في قصره موسى!
وهناك بحسب محللين حرب معلومات مضادة؛ إذ تُسرّب المقاومة أخبارًا عن تحركاتها لإرباك الاحتلال أو لإظهار قدرتها على التحدي، ورغم الإعلان من قبل الاحتلال عن قتله حذيفة الكحلوت قبل أكثر من شهرين إلا أن الرصد المعلوماتي عن عمليات المقاومة ظل متواصلا ليظهر حدود القوة التكنولوجية، وأن السيطرة الكاملة على الأرض ليست ممكنة لاسيما وأن الفيديو العسكري جزء من إدارة الإعلام التي تحرك بها في إطار مؤسسي الفريق المساعد لأبو عبيدة ولهذا كان خروج أبو عبيدة الجديد لائقا باسم الكتائب وبادرة على صوت متواصل للحق والقوة والحرية.
كيف استشهد ابو عبيدة
ومساء السبت 30 أغسطس، وفي واحدة من أكثر لحظات الخيانة قبحًا، أقدم أحد العملاء على إبلاغ جهاز الشاباك، بمكان تواجد الملثم أثناء زيارته لأسرته بعد غياب طويل..
الناشط على منصات التواصل خالد صافي أضاف، "لم يُكذّب الشاباك المعلومة، بل اعتبرها فرصة نادرة .. طال انتظارها بعد فشل 14 محاولة اغتيال، وعلى الفور عُقد .. اجتماع عاجل ضمّ قادة الجيش، وصدر القرار باستخدام طائرات.. مُعدّة خصيصًا لاغتيال قادة المقاومة، ورغم علمهم بتواجده.. في شقة محددة، قصفوا البناية كلها تأكيدًا للإصابة، وانتقامًا من العائلة كلها، استُخدم في القصف صواريخ محمّلة بقنابل حرارية".
وتابع: "حارقة محرّمة دوليًا، قنابل تُطلق سحابة من الوقود المتفجر .. تمتد في الهواء، ثم تشتعل فجأة، مولّدة حرارة هائلة وضغطًا قاتلًا .. يلتهم الأجساد ويجعلها تتبخر، ويشفط الأكسجين من المكان، فلا ينجو بشر ولا حجر.".
وأكمل، "استُشهد بطلنا، واستُشهدت زوجته، وأطفاله: ليان، ومنّة الله، ويمان. وتبخر جسده الطاهر بالكامل، كأنهم أرادوا محو أثره. واستُشهد معه 40 من عائلة "الكحلوت" استُشهد مُقبِلًا غير مُدبر، وقد سبق استشهاده وعدٌ وبشارة.
وزاد "رؤيا قصّها عليّ صهره الدكتور منذر العامودي، رأى فيها رسول الله ﷺ يقول له: "أنت شهيد اليوم". فكان صباحه اغتسالًا، وتزينًا كأنما يُزف إلى عروسه استُشهد بعد أن أدى أمانته، ودافع بدمه عن دينه ووطنه، فبكته الأمة، وبكته المساجد والمحاريب، وساحات الوغـــــــى. وما حسبنا أن الشهداء يموتون، بل يرحلون ليشهدوا علينا.. تقبّل الله شهيدنا حذيفة.".
