ما لا تستطيع أن تنفيه بالحقائق والأرقام تستطيع أن تنفيه بالأكاذيب عبر شاشة السينما والفضائيات والدراما، ذلك الخيط الذي اكتشفه المصريون خلال عرض دراما مسلسل “كلبش 2″، حيث استمر الضابط الوديع سليم الأنصاري، الممثل أمير كرارة، في مطاردة الأشرار الذين صدعنا بهم السفيه عبد الفتاح السيسي، وخلال أحداث الحلقة العشرين يأتي مشهد كتبته الشئون المعنوية بالحرف.
ويظهر الفنان محمود البزاوي في مشهد يتحدث عن جريمة الاختفاء القسري، وينفي التهمة عن عصابة الانقلاب، بل يتهم الضحية التي تبخرت في الهواء أنها دائما ما تظهر في تركيا أو قطر، مع العلم أن المختفين قسريا في مصر يظهرون في نيابة أمن الدولة بعد أيام أو شهور من التعذيب، وفي حالات يتم استخدامهم كبش فداء في عمليات غامضة تمجد الشرطة ويتم قتلهم وتصويرهم على أنهم إرهابيون.
وراء الشمس
وما أشبه اليوم بالأمس وانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي بالنكسة التي تورطت فيها عصابة يوليو بقيادة عبد الناصر، ففي السجن الحربي وبعد هزيمة يونيو 1967، وفي فيلم “وراء الشمس” الذي يفضح سياسة الاختفاء القسري للعسكر، ينفرد الجعفرى مدير السجن بتنفيذ قرار في سرية شديدة، طبقا لأوامر عليا، باغتيال محمود، أحد قادة الجيش الوطنيين، لأنه يطالب بمحاكمة من تسببوا فى الهزيمة، بينما تعمل ابنته سهير فى مكتب رئيس المخابرات هاشم بك الذي يفلح في تجنيدها للتجسس على طلبة الجامعة، يقوم طلبة الجامعة بعمل مظاهرة تطالب بمحاكمة مسئولي النكسة.

وتتعرف وسط المظاهرة على بعض العناصر الثورية مثل د. حسام الأستاذ الثوري، وكذلك الطالب وليد، تنشأ علاقة صداقة بينها وبينهم، تعترف لوليد عن طبيعة عملها، وأنها بدأت تشعر بالدونية نتيجة المشاركة فى التجسس عليهم، وتقرر مساعدتهم، وفى إحدى حملات الاعتقالات التي تتم في ذلك الوقت يتم القبض على حسام ووليد ورفاقه الذين تعرفهم ليلاقوا العذاب داخل المعتقل، تصمم على الانتقام من الجعفرى بعد أن عرفت أنه قتل والدها، يذهب مكرها إلى الإيقاع بين هاشم والجعفري، يكاد يسقط الاثنان فى حبائل بعضهما، إلا أنهما ينتهيان إلى أن سهير تريد الإيقاع بهما. تقوم المخابرات بالإجهاز على سهير، أما بالنسبة للطلبة فإنهم يلقون عذابا شديدًا.
بعد هذه الأحداث المتلاحقة، فإن الجعفري يجمع باقى المسجونين، وهو يقدم للدكتور “حسام” اعترافا مكتوبا لكى يوقع عليه، ولكن “حسام” يرفضه وهو يمزق هذه الأوراق، فتثور ثائرة “الجعفرى” على نزلاء السجن الذين يجمعهم في ساحته، فيثور عليه المسجونون ويحاولون الاعتداء عليهم، فيطلق نيران مسدسه فيصيب “وليد” ويحاول أن يقتل “حسام” فيتلقى عنه الرصاصة “الصول عبد الحق”، الذي يموت بين ذراعى “حسام”، الذي يفزع من مظهر الدماء على يده وهو يتجه إلى الجمهور، محذرا من أن هذه الدماء هي مسئولية الجميع (الدم ده في رقبتكم كلكم)، لكى ينتهى الفيلم بتحذير آخر يسطره مخرج الفيلم على شاشته من أن يتكرر ذلك الذي يحدث مرة أخرى.
فضح عبد الناصر
ولا شك أن الفيلم الذي أُنتج عام 1978، أراد به الرئيس السادات تحميل عصابة عبد الناصر– وهو كان واحدا منهم- الخراب والفساد والقتل والتعذيب والاختطاف، والفيلم للمخرج محمد راضي، وهو بطولة شكري سرحان ورشدي أباظة ونادية لطفي ومحمد صبحي، وتدور أحداثه حول الأسباب الحقيقية وراء هزيمة 67 من خلال أحد كبار قادة الجيش الذي يجري تحقيقًا حول ملابسات الهزيمة، مما أدى إلى اغتياله في النهاية، وتم منعه بسبب انتقاده لقمع الحريات في تلك الفترة، وانتشار التعذيب في المعتقلات.
وفي فترة السبعينات والثمانينات، أطلقت سلطات العسكر المؤلفين والكتاب للنهش في عصابة عبد الناصر، ليس لسواد عيون الشعب بالطبع ولا لتعرية الحقائق، ولكن لإثبات أن السادات هو المنقذ، وأصبحت الأفلام شاهدا على بشاعة العصابة التي امتدت فروعها السوداء إلى أن وصلت إلى انقلاب 30 يونيو 2013، بقيادة السفيه السيسي، ولكن سلطات العسكر تنبهت للغلطة القاتلة، وأن رصاصة فضح قيادات عبد الناصر ارتدت في صدرها، فقامت الهيئات الرقابية بحجب العديد من الأفلام التي تناولت الفساد السياسي والوحشية العسكرية أو التي وصفت بأنها مكاشفة أكثر مما ينبغي!.

وفي فترة ما بعد حرب أكتوبر، حدث انفتاح في تأليف وإخراج الأفلام السياسية، وبدأت الأفلام تصنف تحت لافتة “للكبار فقط”، لذلك حجبت عن العرض التلفزيوني وعرضت في السينما فقط، حتى انتشر الإنترنت وأطلق “جوجل” موقع الفيديوهات “يوتيوب” الذي نشر كل تلك الأفلام لتصبح بين يدي الجميع.
فضح السيسي
وليس بعيدا عن أجواء الإجرام في السينما، وأثناء وجود اللواء محمود شعراوي في جهاز الأمن الوطني قبل وبعد ترقيته، رصدت المنظمات الحقوقية تزايد حالات الاختفاء القسري حتى أصبح الاختفاء القسري يسير بوتيرة 3 عمليات إخفاء قسري يوميًا في المتوسط، كما رصدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات في تقريرها السنوي لسنة 2015.
ولكن معلومة أخرى وصلت عن اللواء محمود شعراوي، وهي أن من أسباب قيام السفيه السيسي بترقيته، براعته وحماسه في تصفية المختطفين قسريا، والإعدام الميداني الفوري لبعض المشتبه بحملهم السلاح ، أو رفضهم الإفصاح عن معلومات حول أي حراك يراه الانقلاب مهددًا له.
معلومة أكدتها الأيام؛ ففي 10 يناير 2016 تم اختطاف الشاب “محمد حمدان محمد علي” بمحافظة بني سويف على يد قوات من الأمن الوطني “أمن الدولة”، وقدمت أسرته تلغرافًا رسميًا باختطافه؛ لتنكر الداخلية هذا ثم تعلن بتاريخ 25 يناير 2016 أنها قد قتلته في اشتباك مسلح، لتظهر جثة محمد حمدان في المشرحة وهي مصابة بطلقات نارية ولكنها كانت أيضًا تحمل آثار تعذيب واضحة.
ولأن الدماء تصيب بالسعار، وغياب القانون يزيد البطش، ودعم النظام العالمي يعطي عصابة السيسي الشعور بالألوهية، امتد الاختفاء القسري والتصفية ليصيب الباحث الإيطالي الشاب جوليو ريجيني، طالب دراسات عليا بجامعة كمبريدج البريطانية، جاء لمصر لإجراء بعض الأبحاث المتعلقة بدراسته، وأيضًا كتابة بعض المقالات التي تكشف حقيقة الأوضاع المتردية في بعض المجالات، لتلتقطه أجهزة الانقلاب وتخفيه قسريًا منذ يوم 25 يناير 2016 ليظهر بعدها الطالب يوم الأربعاء 3 فبراير بعد اختفائه بأيام جثة هامدة نصفها عارٍ وملقى بإحدى الحفر في طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي وعلى بعد كيلومترات من مقر أمن الدولة بمدينة السادس من أكتوبر.