في العالم الدستور هو أبو القوانين، وهو ينص على “وجوب” أن يخطر المحتجز لحظة القبض عليه بالاتهامات المنسوبة له وحقه في اتصال تليفوني لأسرته ومحاميه بأنه محتجز، ومكان احتجازه، إلا أن سلطات الانقلاب عبر ذراعها الشرطة تهدر هذا الحق، والغريب أن النيابة متواطئة معها ولا تحاسبها، فكيف يثق المصريون بمن يهدر الدستور؟
ويعرّف الاختفاء القسري في القانون الدولي لحقوق الإنسان بأنه اختطاف شخص ما، أو سجنه سراً على يد دولة، أو منظمة سياسية، أو طرف ثالث لديه تفويض أو دعم أو إقرار من دولة أو منظمة سياسية، مع رفض الجهة المختطفة الاعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده؛ وذلك بغرض وضع الضحية خارج حماية القانون.
وتتزايد مؤخراً الاعتقالات السريّة، وعمليات الاختطاف والاختفاء القسري، إذ أصبح نظام الاختفاء أحد الأسس التي تقوم عليها حكومات دول الثورات المضادة ضد الربيع العربي؛ مثل مصر، والعراق، وسوريا، وفي ظل السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، يستخدم الاختفاء القسري لإسكات صوت الشرعية، ولجأ ناشطون مصريون مؤخراً لإطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بوقف الاختفاء القسرية.
يقول الناشط شريف عطية:”قام السيسي بانتهاك الدستور، وخالف نصوصا واضحة وتحدي أحكام الإدارية العليا، وداس علي التاريخ والجغرافيا والدماء الذكية، التي دافعت عن الأمن القومي المصري في مضيق تيران وسيناء، وتنازل بكل قذارة عن تيران وصنافير لـ”إسرائيل”، فهل يعقل أن يحترم نصوصه مع المعارضين؟”.
ويقول الناشط عبد الحميد كارم:” كل الكلام الحلو دا على راسى ولما بيتقبض على حد بيكون بواسطة الداخلية المصرية يعنى زتنا فى دقيقنا لكن لية الداخلية لما بتقتحم بيت مواطن بدون أذن بتسرق الفلوس اللى فى البيت والحاجات المهم زى مشغولات ذهبية مثلا دا أية علاقته بالجريمة اللى أنا برتكبها كامواطن؟”.
وفي مصر الاختطاف يكون من المنازل والشوارع وحتى الكليات، بعضهم ظهر ميتاً بينما تبخر آخرون في علم الغيب، إنهم المختفون في مصر ومنهم الشاب محمود محمد حسين، الذي يمتلك معرفة مباشرة بتقنيات التعذيب، وهو شاب يبلغ من العمر 22 سنة، يعتمر قلنسوة فوق رأسه ويرتدي سروال جينز ضيق.
وتذكره كل خطوة يقطعها بالإساءة التي تعرض لها، حيث أن إحدى ساقيه أصبحت ملتوية على نحو سيء، وتجدر الإشارة إلى أن محمود تعرض للاعتقال خلال سنة 2014، وذلك في الذكرى الثالثة للثورة، وكان يبلغ حينها 18 سنة، وقد خرج يشارك في تظاهرات ضد الانقلاب، وأفاد بأنه تعرض للاحتجاز والاضطهاد بسبب شعار “وطن بلا تعذيب” الذي كتب على قميصه .
في هذا الصدد، قال محمود: “لقد وجهوا الضربات عمدا إلى ساقي، التي كانت مصابة بالفعل. وقد قاموا بضربي بشدة لدرجة أنني لم أستطع المشي دون الاتكاء على عصا إلى غاية الأشهر الماضية، ومنذ ذلك الحين، خضعت للعديد من العمليات الجراحية”، وفي واقع الأمر، لم يكن الضرب سوى البداية، حيث استطرد محمود مشيرا إلى فخذه :”لقد تعرضت للصعق بالكهرباء في أماكن حساسة في جسدي. كما كنت أشعر بألم فظيع، ولا يمكن محو ما تعرضت له من ذاكرتي. إنني أعاني من الكوابيس بشدة”.
في الحقيقة، احتجز محمود لمدة سنتين من دون محاكمة، وهو يتحدث الآن على الرغم من المخاطر المحيطة به، وذلك من أجل العديد من الضحايا الآخرين، على غرار بعض أقربائه وأصدقائه، وفي هذا الإطار، أورد محمود أن “الكثيرين يعانون مما مررت به.، لقد رأيت الكثير من الناس في السجن، الذين طلبوا مني نقل الرسائل حول المعاناة التي تعرضوا لها، ولا يمكنني التوقف عن الحديث عن التعذيب إلا عندما يصل هذا الأمر إلى نهايته”.
وربما ليس هناك حديث في مصر حاليا، ولا على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر تداولا من الحديث عن جريمة الاختفاء القسري، ففي مصر قد تكون في عشاء مع أصدقائك فتختفي فجأة دون أن يعلم ذويك أين اختفيت، حتى لو اتخذوا كل الإجراءات القانونية بإرسال تلغرافات إلى النائب العام ورئاسة الجمهورية ووزير العدل، كما حدث مع المئات ممن ذهبوا إلى غياهب الجُب ولم يعودوا حتى الآن.
ويتجاوز الأمر بعد ذلك كونك شابا مع أصدقائك، إلى أن تكون صحفيا أو مُصورا، وحتى أن تكون أستاذا جامعيا كما حدث مع الطبيب محمد الخضري، رئيس الجمعية المصرية لطب الأسنان، فقد تم اختطافه من أحد شوارع بورسعيد، ومكانه غير معلوم حتى الآن.