“ألا أيها الشامتون بقتلهم أطلت عليكم غمة لا تفرج”، ها هي خمس سنوات تمر على مذبحة رابعة، والمصريون في معاناة متصاعدة من مظالم وانتهاكات عصابة الانقلاب العسكري، خمس سنوات تمر على المذبحة، والبعض لم يستفق بعد من هيستيريا الكراهية التي مكنت للقاتل وضربت بعنف مقومات الشعب الواحد.
لم يكن قتل ما يقرب من 5000 إنسان في فض اعتصامات الشرعية ورفض الانقلاب، وأغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين نقطة النهاية في تورط عصابة العسكر في صيف 2013 في إراقة الدماء واستباحة حق المواطن في الحياة والعصف بضمانات سيادة القانون، بل لحظة البداية لفاشية عنيفة لم تعدم إلى اليوم الجلادين ولا المبررين.
وفي أقل من شهر رفعت سلطات الانقلاب العسكري أسعار 12 خدمة وسلعة أساسية، آخرها البنزين والسولار والبوتاجاز والمازوت، بنسب تتراوح من 40 إلى 66 بالمائة، قد سبقها رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق 250 بالمائة، والكهرباء 26 بالمائة ومياه الشرب 46 بالمائة، وغيرها من ارتفاعات بتراخيص السيارات بنسبة 200 بالمائة، واستخراج جوازات السفر 150 بالمائة، وتعريفة التاكسي والمواصلات الداخلية بنسبة 30 بالمائة.
يقول الناشط سيف الدين عثمان: “الغلاء ظاهرة الكل يعيشها، ولكنها على المتألمين لما حدث فى #رابعة وتوابعها هونا، بينما للشامتين فى الدم فهى صدمة ونار سيكتوون كل يوم بها”. ويقول الناشط عامر جبر: “رابعة كانت إشارة بين الإنسانية والحيوانية.. ما وصلنا إليه الآن من الغلاء والوباء والظلم والقهر بسبب هذ الدم الذي سال وتم السكوت عليه من أنفسنا”.

إن كلمة السر التي أخرجت شهداء رابعة إلى أحضان الموت هي “الحرية” التي يؤدي فقدها ببعض الطيور إلى الانتحار، وبطيور أخرى إلى العقم حتى لا يولد لها نسل في الأسر، الحرية التي من ذاقها عرفها، ومن عرفها اكتشف فداحة الاستبداد، وعاين الفرق بين الموت الذليل والحياة العزيزة، بل بين الموت العزيز والحياة الذليلة.
فرق كبير بين أن تسعى في مجتمعك تبحث لأفكارك الجميلة عن مجال لتطبيقها، ولنشاطك البدني عن متنفس حر، ولمهاراتك المختلفة عن فرصة توظيف ملائمة، لتحجز لنفسك بجدارة موقعا يكافئ مواهبك وقدراتك، فرق بين هذا وبين أن تعد عليك أنفاسك، وتراقَب ألفاظك وكلماتك، وتقدمك المحسوبية لا الأهلية والجدارة، ويسود منطق السلطة المطلقة لا منطق القانون، ولغة السلب والنهب لا لغة المشروع الوطني الذي يحوي الجميع.
هجر القاطنون لرابعة العدوية مضاجعهم، وليسوا جميعا فقراء، ولا أغنياء، وليسوا جميعا موظفين ولا عمالا وتجارا، وليسوا جميعا رجالا ولا نساء وأطفالا، بل ليسوا جميعا مصلين صائمين، ولا تاركي الصلاة أو الصيام.. بل هم خليط من كل هؤلاء، وهذا يعني أنهم الشعب كله، وليسوا فئة منه، ولا فريقا من أبنائه.

وحين اتضح أن عدسات أخرى غير عدسات إعلام السفيه السيسي، وثقت للمذبحة وللعديد من تفاصيلها البشعة، وحين توالت التقارير المستقلة التي دحضت ادعاءات عصابة الانقلاب عن الدفاع الشرعي عن النفس ونفت العنف عن الضحايا، استخدم العسكر أذرعهم الإعلامية التي جبلت على امتهان الحقيقة ومعاداة العقل وتزييف الوعي، تارة للتبرير الإجرامي للمذبحة كضرورة وطنية فرضتها الحرب على الإرهاب، وتارة للاستخفاف الإجرامي أيضا بمصاب الضحايا وآلام ذويهم.
وفي 14 أغسطس 2013، أقدمت قوات من الجيش والشرطة بالقوة على مجزرة بشعة ومذبحة بحق اعتصامين لأنصار الشرعية في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر؛ ما أسفر عن سقوط آلاف الشهداء بشهادة منظمات حقوقية محلية ودولية.
وكان تقرير صدر لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية الدولية، قالت فيه إن «قوات الأمن المصرية نفذت واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم خلال يوم واحد في التاريخ الحديث»، وذلك في فضها اعتصام رابعة العدوية، وبعد أيام من الفض، وثقت منظمة «هيومن رايتس مونيتور» أكثر من 400 حالة اختفاء قسري لأشخاص كانوا في الميدانين اللذين شهدا عملية الفض، بجانب 9 سيدات مجهولات المصير.
وفي 3 يوليو 2013، قاد السفيه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، بمشاركة شخصيات دينية وسياسية وشعبية، انقلابا على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير، بعد عام واحد من حكمه للبلاد، عقب احتجاجات دبرتها المخابرات الحربية والأذرع الإعلامية وأجهزة الدولة العميقة.