“هتدفع يعني هتدفع”.. رشوة عمال المساجد للسماح بالصلاة جماعة ثانية

- ‎فيتقارير

أن تسمع الأذان في مصر بات منحة يتفضَّل بها الانقلاب على الشعب المصري، وأن تذهب إلى المسجد دون أن يتعقبك أحد المخبرين فهذا ستر من رب العالمين، وأن تدخل المسجد وينتابك الذهول من سرعة أداء إمام الأوقاف للصلاة في أقل من 5 دقائق، وتنوي أن تصلي وتؤم عددًا من المصلين لم يدركوا صلاة العسكر، هنا تبدأ الأزمة مع عمال الأوقاف، والتي تنتهي عادة بـ”كرمشة” خمسة جنيهات أو عشرة في “جيب” أحدهم لتتمكن من أداء الفريضة، وذلك على خطى سفيه مصر عبد الفتاح السيسى، تنفيذا لمقولته “هتدفع يعنى هتدفع”!.

وقال شاهد عيان- رفض ذكر اسمه- لـ”الحرية والعدالة”، إنه مر بأحد المساجد الكبرى في مصر، وحاول الصلاة هو وبعض المصلين ممن فاتتهم صلاة الجماعة التي أداها الإمام بسرعة الصاروخ، وبرز لهم خادم من العاملين بالمسجد وأصر على منعهم، تبعاً لأوامر مخبر وزارة الأوقاف محمد مختار جمعة، وفطن أحد المصلين للعملة الرائجة الآن في مصر، والتي تتكسر أمامها الأوامر حتى ولو كانت أمنية وعسكرية، فأخرج من جيبه مبلغا من المال ودسه في كف العامل الذي أخذها واختفى فجأة كما ظهر فجأة.

وكانت منظمة الشفافية الدولية قد ذكرت- في استطلاع عن الفساد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نشر في مايو الماضي- أن مصر سجلت أعلى نسبة فساد في المنطقة بعد اليمن، حيث يضطر نصف المصريين لدفع الرشوة للحصول على الخدمات العامة.

فضيلة الحرامي!

وينتشر الفساد في هرم الانقلاب من قمته إلى أقصى نقطة في القاع، وكان المحامي فريد الديب، الذي ترافع عن المخلوع مبارك، قال إن صلاح هلال، وزير الزراعة السابق المحكوم عليه في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«رشوة وزارة الزراعة»، أدلى بمعلومات ضد وزير الري السابق، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف الحالي.

وأوضح «الديب»- خلال مداخلة مع أحمد موسى في برنامج «على مسئوليتي»- أن محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف في حكومة الانقلاب، متهم بالفساد، مشيرًا إلى استدعائه لأخذ أقواله في قضية رشوة وزارة الزراعة، مشددا على أن «جمعة» أنكر معرفته بالمتهم المدعو محمد فودة، مؤكدًا أن «هذا الحديث ثابت في التحقيقات».

ومن فضيلة الحرامي وزير الأوقاف، إلى مسئول آخر بالوزارة التي أضحت تكية؛ حيث أُلقي القبض عليه بتهمة تلقي رشوة بقيمة 4 ملايين جنيه نظير إنهاء بعض الإجراءات بطريقة غير قانونية، تمكن أحد رجال الأعمال المغضوب عليهم من العسكر من الاستيلاء على أراضٍ للدولة.

وفيما يبدو أن المسئول لم يعط شيئًا من الرشوة للسادة الكبار الذين أبلغوا عنه، وهو يعمل بالشئون القانونية بإدارة أوقاف المنيا في صعيد مصر، وتقاضى 4 ملايين جنيه على سبيل الرشوة، مقابل إنهاء إجراءات يتمكن على إثرها أحد رجال الأعمال من الحصول على أرض تابعة للأوقاف تبلغ مساحتها 258 فدانًا، وقيمتها 130 مليون جنيه.

الدرج والحلاوة والشاي

من جهته يقول الكاتب والمحلل السياسي وائل قنديل: “عليك أن تستأصل عقلك وتشعل النار في ضميرك، لكي تسلّم بأنّ السلطة التي تمارس أعمال السطو على ممتلكات معارضيها، وتستولي على الأموال والعقارات والمؤسسات الخاصة، التي أنفق أصحابها أعمارهم في بنائها، هي سلطة معنية بمقاومة الفساد”.

مضيفا: “النظام الذي اعتنق عقيدة استحلال المخالفين في ممتلكاتهم وأموالهم وأعراضهم، ووجودهم، كيف يمكن تصديق أنه ضد الفساد؟”.

وتبدأ الرشوة في حياة المصريين من مراحل متقدمة في تعامل سلطات الانقلاب مع المواطنين، وصولا إلى أهم مناصب العسكر، حيث تبدأ بجندي المرور في أصغر إشارة للمرور، الذي يقبل أقل مبلغ متخيل، وصولا إلى السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي حصل هو وجنرالاته على مليارات الدولارات من دول الخليج للانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد.

ويكفي للتدليل على ذلك استعراض قوائم الفسدة الذين منحهم الانقلاب البراءة أمام القضاء؛ لنكتشف أن بينهم أحمد نظيف رئيس الوزراء المصري السابق، ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ووزير المالية السابق يوسف بطرس غالي، ووزير الزراعة السابق صلاح هلال.

وتتعدد الصور التي يتم عن طريقها تقديم الرشوة في عهد الانقلاب العسكري، وتكون الصورة البسيطة قيام المواطن الراغب في الحصول على خدمة معينة، بتقديم أموال أو هدايا عينية للموظف المسئول عن إنجاز هذه المهمة، سواء بشكل مباشر أو عن طريق وسيط.

وللرشوة أسماء كثيرة، منها: الشاي، الإكرامية، الاصطباحة، العرق، في حين يمكن طلبها بوسيلة قديمة ما يزال استخدامها ساريا، عن طريق “فتح الدرج” ليضع فيه المواطن المبلغ المتعارف على دفعه في مثل تلك المواقف، أو وضع قيمة الرشوة داخل المظروف أو الأوراق التي يقدمها المواطن للموظف، وقد تكون الرشوة عبارة عن هدايا عينية بدءا بالأقلام، وصولاً إلى الشاليهات والسيارات، وأحيانا تصل إلى رشوة جنسية وفقا لحجم “المصلحة” المراد إنهاؤها.