ما جزاء من يحبس عشرات الآلاف ويعذبهم ويقتلهم متعمدا في السجون منذ انقلاب 30 يونيو 2013، سؤال يطرحه مراقبون على مسامع العسكر والقضاة والشرطة، وأعلن عدد كبير من السياسيين والنشطاء اعتزال الحياة السياسية والحزبية في مصر خلال الشهور الأخيرة، بعد عقود طويلة قضاها بعضهم في العمل السياسي حتى أصبحوا من الوجوه البارزة في الساحة السياسية، وكانوا ضيوفا دائمين على وسائل الإعلام.
وبينما تصر رواية الانقلاب على أنه لا يوجد اعتقال سياسي فضلًا عن إخفاء قسري وتعذيب في السجون، بل يذهب بعض المؤيدين للعسكر إلى درجة الادعاء بأن هناك تطورًا في ملف حقوق الإنسان، وأنّ كلمة “إخفاء قسري”، ما هي إلا “اختراع بردعي” ابتدعه محمد البرادعي، وردده الناس من بعده؛ تؤكد تقارير دولية عديدة، بل ومصرية مستقلة، على مؤشرات خطيرة تتعلق بملف الإخفاء القسري، إلى جانب تقارير نشرتها صحف أجنبية عن حالات الإخفاء القسري، موثقة بالإحصائيات الدولية، حتى جاءت في النهاية قصة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي أخفي قسريًا قبل أن يُعثر على جثته، مشوهة تمامًا من أثر تعذيب وحشي تعرض له، إلى الحد الذي جعل والدته تصف جثته بأنها “تحمل آثار الشر في هذا العالم”.
ثورة الحرية
وعلى الرغم من انتعاش الحياة السياسية بشكل غير مسبوق بعد ثورة يناير 2011 إلا أن انقلاب يوليو 2013 والملاحقات الأمنية للنشطاء والسياسيين التي تلته، أدت إلى عزوف غالبية السياسيين عن المشاركة في العمل العام، وتعددت الأسباب المعلنة لقرار اعتزال السياسية، فبعضهم اعترف بأن القمع وغلق المناخ السياسي تماما هو السبب وراء عزوفهم عن السياسة، فيما تذرع آخرون بأسباب مختلفة، من بينها التقدم في السن أو الاهتمام بالبحث والدراسة أو حتى التفرغ للعبادة!.
ومقارنة بدموية قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي، يقول الناشط أحمد عبد القوي:”جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا لسه مخلصش فترته الرئاسية، من شهرين حزبه أمره بالتنحي بعد فضائح فساد وهدده لو مقدمش استقالته هيخلي البرلمان يعزله، إمبارح استقال وقال في خطاب الوداع: على الرغم من اختلافي مع قرار الحزب إلا إنه “ينبغي ألا تزهق أرواح باسمي”.
ويرد الكاتب الصحفي عادل صبري بالقول:” رغم فساده خاف على الناس ولَم يأمر بقتلهم بحجة مكافحة الإرهاب، لذلك ستعود جنوب أفريقيا لقمة القارة من جديد والقاتل في أسفل الدرك”.
الانفجار قادم
وبات الوضع في مصر الآن أشبه بحلة ضغط ضخمة ليس لها صمام أمان، وعندما يحين موعد انفجارها في النهاية، سيطول الأذى الجميع، موت السياسة يُزعزع استقرار الانقلاب، وقال محمد سلطان نجل القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، إن مصر منذ منتصف عام 2013، أصبحت تحت حكم السيسي ثقباً أسود لحقوق الإنسان، والحكم الديمقراطي، وسيادة القانون. لكنَّ حملة القمع التي يُشنها الرئيس الآن ستصل إلى حكومته نفسها.
وأضاف: “إذ رأي المحللون أنَّ اعتقال عنان يُعد دليلاً واضحاً على استعداد السيسي للإطاحة بالرتب العُليا في المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها. وعلى ما يبدو، فإنَّ إقالة رئيس جهاز المخابرات المصرية يكشف عن صدعٍ متنامٍ داخل صفوف الأجهزة الأمنية. ومن الجلي أنَّ بعض البيروقراطيين التابعين له بدأوا يتساءلون عما إذا كانت طموحات السيسي الشخصية باتت تُهدد بقاء الدولة، وعلى أقل تقدير، يمكن القول إنَّ مصر في طريقها نحو انهيار الحياة المدنية على غرار كوريا الشمالية”.
وتابع: “بإغلاق كل طريقٍ للتغيير السلمي، أرسل السيسي رسالةً حادة إلى مصر وبقية العالم تُفيد بأنَّ الديمقراطية لم يعد لها مكانٌ في بلاده، وأنَّ القوة الغاشمة هي الرد الوحيد والممكن على أي صورة من صور المعارضة والانتقاد. وحتى مهزلة الانتخابات تنحت جانباً”.
التعذيب والرعب
ونشر موقع “بي بي سي” البريطاني تقريرا عن الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة “بي بي سي”، السبت، عن التعذيب والرعب الذي يتعرض له الشعب المصري في ظل حكم قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي، الذي تقلد السلطة بعد انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وذكر الموقع، أن العملية التي شنتها الأجهزة الأمنية ضد اعتصام مساند لمرسي في القاهرة، في أغسطس سنة 2013، أدت إلى مقتل 800 شخص في مسجد رابعة العدوية، وذلك وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، التي وصفت الأمر بأنه “إحدى أكبر عمليات قتل المتظاهرين، التي ارتكبت في يوم واحد، في التاريخ الحديث”.
ونقل الموقع جملة من الروايات التي جمعها فريق موقع بي بي سي حول الاختفاء القسري والتعذيب الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، على غرار زبيدة التي انضمت إلى قائمة المختفين في مصر، وفي النهاية يبقى السؤال: دخلت امرأة النار في قطة حبستها.. فماذا عن السيسي؟
