هل هي مفارقة أنه رغم مرور سبعة أعوام على ثورة يناير، وحديث الكثيرين عن فشلها وانتهائها، فإن شبحها على الأقل يبقى كافيًا ليصيب جنرالات الانقلاب بالخوف والارتباك والعجز، إلا عن بطش مجنون بالخصوم والمعارضين، خسرت ثورة يناير جولات بالتأكيد، لكنها حتما لم تمت حسب ما يرى مؤيدوها، في المفاوضات التي جرت عقب الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وضع جنرالات المجلس العسكري شرطاً أساسياً لوقف إطلاق النار على الشعب، هو الاعتراف بشرعية الانقلاب، طلبًا لطي تلك الصفحة، التي ما زالت تؤرق السفيه السيسي رغم مرور 5 سنوات علي الانقلاب.
وعرفت مصر انتقال السلطة والشرعية من طرف إلى آخر “طوعًا أو إكراهًا”، إلا أنها لم تشهد صراع شرعيات بين طرفين إلا بعد انقلاب 3 يوليو 2013، فعلى الرغم من حركة الضباط الأحرار في انقلاب 1952، إلا أن انتقال السلطة تم بتنازل من الملك فاروق – مكرهًا – عن العرش إلى ولي عهده ونجله الملك أحمد فؤاد، وبعد أن تم إجبار اللواء محمد نجيب على الاستقالة من منصبه كرئيس لمجلس قيادة الثورة، خلفه أبو الانقلاب جمال عبد الناصر، الذي تسلم الرئاسة بعد وفاته نائبه أنور السادات، ليخلفه بعد مقتله نائبه حسني مبارك، وصولا إلى ثورة 25 يناير التي أعادت الشرعية للميدان، إلا أن مبارك، قطع الطريق على الشعب ومرر الشرعية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إلا أن الشعب قطع التمريرة واستحوذ على الشرعية وسدد هدفاً في مرمى العسكر، وتم انتخاب محمد مرسي أول رئيس مدني للبلاد.
ولأن باب الترشح في مسرحية انتخاب السيسي سيغلق بعد أيام، يبدو الانقلاب مرتبكًا بين إجراء انتخابات أقرب إلى استفتاء شكلي أو البحث على عجل عن اسم معروف يقبل أن يلعب دور “المُحلل”، لعله يقي السفيه السيسي سياط نقد خارجي من قوى دولية حتى وإن أوحت له بالانقلاب فإنها لا تحب أن تسير الأمور على هذا النحو الهزلي المحرج.

شرعية القمع!
وعلى الرغم من انقلاب 30 يونيو الذي مهد الطريق أمام السفيه عبد الفتاح السيسي، للانقلاب على الشرعية، إلا أن ما تلى هذا القرار مثّل أزمة لم تشهدها مصر منذ إعلان الجمهورية، وهي أزمة “الشرعية”، حتى إن الكاتب الصحفي عبد الله السناوي، وهو واحد من الناصريين المتحمسين في معسكر 30 يونيو، كتب أمس “هناك فارق جوهري بين شرعية الأمر الواقع والشرعية الدستورية. الأولى: لا تؤسس لأوضاع طبيعية ومستقرة.. والثانية، تتجدد بمقتضاها حيوية المجتمع، وقدرته على التصحيح والتصويب في الخيارات والسياسات والأولويات بالاختيار الحر”.
من جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي وائل قنديل، معلقًا: “الآن فقط يتذكّرون الشرعية، ويتحدثون عنها باحترام، وهم الذين سخروا من الرئيس المنتخب، صاحب الشرعيتين، الدستورية والثورية، باعتباره المؤكد الوحيد من مخرجات ثورة يناير، وانهالوا عليه بألسنة حداد.. الآن فقط يتذكرون انتخابات ديمقراطية كان مشاركين في قتلها، وراضين بالانقلاب عليها، بعد أن تواطئوا وتآمروا على مبدأ الانتخاب الحر وسيلة للتغيير الديمقراطي”.
وتابع: “الآن يستدعون “الشرعية” تلك القيمة الأخلاقية والديمقراطية التي يقبع الرئيس المنتخب في السجن حتى الآن، ويتعرّض لكل أنواع التنكيل والانتقام من تمسكه بها”.
موضحًا: “بعد سبع سنوات من الثورة، وفي هذه اللحظة، فقط، يعترف الكائن الـ(25 – 30) يناير ثورة واحدة حقيقية ونقية وبيضاء من غير سوء، ولأول مرة يتنازل عن خيلائه الزائفة بجريمة الثلاثين من يونيو 2013”.
قلب الخوف!
أثناء انقلاب 30 يونيو ظهرت مطبوعات تحمل صورتي أبو الانقلاب جمال عبد الناصر، والسفيه عبد الفتاح السيسي، يعتقد أن الجهة التي وقفت خلف طباعتها هى من طبعت استمارات “تمرد”، خصوصًا وأنها انتشرت في أرجاء البلاد بكثافة، في محاولة للربط بين جمال عبد الناصر، بصفته صاحب الكاريزما الأقوى بين العسكر، والسفيه السيسي، الذي حرص إعلام الانقلاب على تصويره وإبرازه بمظهر القائد البطل الذي حمل روحه على كفه وأنقذ البلاد، في محاولة أخرى لإضافة “شرعية الكاريزما” على السفيه السيسي، المفتقد بالمعايير الشخصية لأي كاريزما، باستثناء ما يضيفه الزى العسكري من هيبة، تلاشى تأثيرها عند المصريين جراء القمع والتسريبات ونشر الغسيل القذر للجنرالات الثلاث شفيق وعنان والسيسي نفسه، ولم يعد يكفي ظهور السفيه في صورة مضللة بالزى العسكري، وبجواره أسد يزأر مكتوبًا عليها “السيسي قلب الأسد”!.
بعد سبع سنوات يخسر انقلاب يوليو معركة الشرعية مرة أخرى أمام ثورة يناير، وللحظات اعتقد السفيه السيسي أنه سيربح من وراء مسرحية انتخابات 2018، إلا أنه وقد تسلط عليه غباؤه أبعد شفيق بالتهديد بملفات الفساد، واعتقل الفريق سامي عنان، متهمًا إياه بالتزوير، وسرعان ما استفاق المحامي الحقوقي خالد علي من سكرة الترشح ولاذ بالفرار، عقب ضغوط من رموز ثورة يناير، وفي اللحظات الأخيرة دفع الانقلاب برئيس حزب الوفد السيد البدوي، ليجلي في “كوشة” الكومبارس بديلاً عن حمدين صباحي ويصبح مجرد أراجوز يضفي شرعية على انتخابات مسرحية.