“ماما لازم تخرج”.. كانت هذه رسالة الطفلة “مودة”، ابنة المعتقلة “شيرين بخيت”، وعلَّق نشطاء على الصورة بالقول إن الإسلام يمنع أن تسجن المرأة، وقال أحدهم “فين بتوع حقوق الإنسان وبتوع حقوق المرأة؟”.
وتدهورت الحالة الصحية للمعتقلة “شيرين بخيت” بعد مرور أكثر من عامين على اعتقالها، وذكرت والدة المعتقلة “شيرين بخيت” أن ابنتها تعاني من ضعف عام وحالة من الإرهاق الشديد؛ نتيجة احتجازها في مقر غير آدمي، فضلا عن استجوابها يوميا في مقر الأمن الوطني، والضغط المتواصل عليها للاعتراف بتهم ملفقة.
كما أكدت والدتها أيضًا سوء الأوضاع الصحية لأطفال المعتقلة “شيرين”، وإصابة الأطفال بحالة نفسية شديدة السوء؛ نتيجة اختطاف والدتهم وتغييبها خلف جدران المعتقل.
جمهورية الخوف!
ولم يعد غريبًا في مصر، أن ترى الفتيات وهن بأثواب السجن البيضاء داخل سيارات الترحيلات، كما لم يعد غريبًا أيضًا على دولة العسكر أن تعتقل النساء والفتيات اعتقالًا عشوائيًا سواء من الشوارع أو الجامعات.

نحن الآن في جمهورية جنرالات الانقلاب، وهنا تأخذ هذه الكلمات حدّها في هذا المكان وهذا الزمان، وفي غمرة هذه الأمور العظام التي تحيط أمواجها العاتية بالمصريين، هنا تمر الأحوال التي قد لا نتوقف عندها، لأن الرؤية تضيق لتشمل فقط حال اليوم الذي نعيش فيه فقط لا أكثر، فيصبح التفكير بالمستقبل شيئًا لا ضرورة له؛ بسبب تساوي الموت والحياة وكثرة الموت والألم.
ولعلَّ اعتقال أو إعدام أو تصفية أو اختفاء أحد الوالدين، أصبح سمة بارزة وشاملة– نوعًا ما- لدى الكثير من العائلات المصرية، في خضم هذه الأحداث يسأل مراقبون: ما حال الطفل الذي اعتقل أحد والديه وكيف سيكون أمره وما الذي يترتب علينا تجاهه؟.
وتحاول بوابة “الحرية والعدالة” بحث الآثار المدمرة لاعتقال أحد الوالدين على مرحلة الطفولة المبكرة، والتي تمتد من الولادة وحتى عمر 3 سنوات.
في هذه المرحلة يكون ارتباط الطفل بوالدته كبيرًا؛ لما تؤمّنه له من تلبية احتياجاته الأساسية الجسمانية من أكل وشرب ونظافة، وحب واهتمام وحنان.
ويؤكد مراقبون أنّ اعتقال أحد الوالدين– وخاصّة الأم- في هذه المرحلة، يُفقِد الطفلَ شعوره بالأمان والثقة بمن يرعاه، ويشعر بالخوف وعدم الأمن والفراغ والهجران.
ردة فعل الطفل في هذه المرحلة تظهر بشكل جسمي، فهو لا يمتلك القدرة على التعبير بالكلام، فتظهر لديه مشاكل في الأكل والنوم والصحة العامة، كما يظهر عليه تباطؤ التطور الحركي واستقلالية الحركة مثل الزحف والمشي وغيره.
إنّ تواجد شخص ثابت على الرعاية الحثيثة للطفل وتلبية احتياجاته الجسمية والعاطفية، من شأنه أن يساعد الطفل على تخطي ما تعرض له من فقد الرعاية مع اعتقال الأم.
المرحلة التي تمتد من السنة الخامسة وحتى السابعة أو ما قبل المدرسة:
في هذه المرحلة تتجلى استقلالية الطفل بشكل جزئي عن الوالدين، ولكن يبقيان هما قاعدته الأساسية، ويبدأ بتقليد دور الوالد الذي هو من جنسه (الأب أو الأم) فيتعلم منه بعض ما يلتقطه كطريقة التعامل وما يحب وما يكره وغير ذلك، ويكون خيال الطفل في هذه المرحلة في اتساع وفهم مادي لأغلب الأمور كالموت والفقد.
واعتقال أحد الوالدين في هذه المرحلة إنما يؤثر على بناء استقلاليته والشعور بالخوف الشديد على النفس، ويخاف على من تبقى له من والديه فيزداد تعلقًا والتصاقًا به.
وكردة فعل يشعر الطفل بالذنب والمسئولية عند اعتقال أحد والديه، وتداول أسئلة تتعلق بالناحية المادية لاعتقال الوالد، ويتلازم معه الشعور بالقلق والأحلام المزعجة، بالإضافة إلى التغير في نمط الحياة.
مرحلة المدرسة والتي تمتد من السابعة وحتى الثانية عشرة:
وفي هذه المرحلة ينشغل الطفل بالمجتمع الذي يتسع من حوله وخاصة بأصدقائه ومجتمع المدرسة، ولا تبدو المشاعر طاغية على تفكيره، كما أنه يفهم معنى الاعتقال والسجن جيدًا، وهنا عند اعتقال أحد الوالدين يشعر الطفل بالحزن والغضب والاشتياق كالبالغين، وتظهر ردة الفعل على ذلك بصعوبات في المدرسة وقلق وإرباك في المهام وغير ذلك.
إنّ الشرح الوافي للطفل عن الاعتقال والاستماع لمشاعره نحو والده الذي اعتقل، ومساعدته على إظهار مشاعره والتعبير عنها من شأنه أن يخفف من وقع صدمة اعتقال والده.
وتبقى ثقافة المجتمع هي العنصر الأهم الذي يمكن من خلاله التخفيف قدر الإمكان من أثر فقد الطفل لأحد والديه بالاعتقال، أو الإعدام أو التصفية أو الاختفاء القسري.
أين حقوق المرأة؟!
ويبدو أن جمعيات حقوق المرأة والتي صدعت الرؤوس بشعارات فارغة لا تمت للواقع بشيء، لم يكفها اعتقال ما يزيد على 3000 سيدة وفتاة منذ انقلاب الثالث من يوليو، أو قتل نحو 90 امرأة برصاص رجال الشرطة والجيش، أو إحالة 20 سيدة للمحاكمات العسكرية، أو حكم المؤبد بحق سيدتين، والإعدام بحق أخرى، أو صدور أحكام بمئات السنين تقضيها الفتيات والنساء في السجون، أو استمرار حبس ما يزيد على 50 فتاة، تجاوز بعضهن العام في الحبس، لتطالب بحقوقهن التي طالما رددوها في شعارات مفرغة من الواقعية أو ربما هذا الأمر يتطلب مجهودًا أكثر من إقامة الندوات والمؤتمرات والحفلات، حيث التقاط الصور وإلقاء التصريحات الصحفية، والعزف على نغمة حقوق المرأة التي أصبحت سلعة مملة.
فتلك الجمعيات لم تلتفت لتنادي بحق الفتيات المعتقلات في الحياة، والتي لم تر ناشطات مجال حقوق المرأة أن الانقلاب قد لفق لهن تهمًا بالتأكيد لا تستطيع فعلها إلا المرأة الخارقة.