“مصر التي كان لقبها يومًا أم الدنيا كيف حوّلها السيسي إلى مزرعة يمثل بها دور الطيّب المخلّص للشعب الذي لا يريد غيره؟”، مسرحية جديدة للسفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي قبل مهزلة رما يسمى الانتخابات، جعل مراقبين يطرحون العديد من الأسئلة، منها هل يجتمع الصدق والسيسي في سطر واحد، لا والله ما هو حكم عسكر، قالها الجنرال في سياق الدفاع عن العملية الانقلابية التي أطاحت المسار الديمقراطي، وانقضّت على ما تبقى من مكتسبات يناير، يكذب كعادته، إلا أنه هنا صادق من وجه، لعله كان يقصده، ساخرا في أعماق نفسه من هؤلاء الذين يتصورون أن حكمه تكرار لتجربتهم مع الحكم العسكري، المدني الواجهة والديكورات، ناصر، والسادات، ومبارك.
يلوذ الفأر الصهيوني الذي وضعته واشنطن على عرش مصر بالدين، وفق عبارات مبهمة يظل يكرر لفظ “ربنا” خلالها، ظهر ذلك في الحوار الذي أجرته معه المخرجة ساندرا نشأت مؤخراً، وسيحدّث الزمان المصريين عن وضاعة العسكر في الخصومة مع الثورة، والخسّة في القمع والاعتقال والقتل والإعدام، ولا تزال بقايا الحليب الصهيوني باديةً على أسنان السفيه السيسي، ولا يتوقف عن الذهاب إلى الفراش الإسرائيلي، كلما استشعر اقتراب سقوطه بأيدي الشعب.
وعلى أبواب مسرحية انتخابات السفيه، يرى مراقبون أن المصريين الآن أمام تغيير جذري في اللعبة القذرة التي تمارسها عصابة الانقلاب التي ضبطت، بدلاً من المرة عشراً، متلبسةً بالعلاقة الآثمة مع العدو الصهيوني، وباتت قرائن تبعيتها الكاملة لما يقرّره الجنرالات والحاخامات وحواضن التفكير الاستراتيجي في إسرائيل تتجمع بكثافةٍ، ممطرة بالفضيحة تلو الأخرى.
ذبح الإخوان
في تسريب قديم يعود تاريخه إلى ما قبل فوز الرئيس محمد مرسي بالرئاسة، يتحدث رجل الأمن إلى السيد البدوي رئيس حزب الوفد، الطامع في ذلك الوقت أن يكون رئيسا للجمهورية، عن أيام سوداء قادمات سوف تجعل المصريين يندمون على أيام مبارك التي كانوا لا يقدرونها حق قدرها، ويحذره من التحالف مع الإخوان، ويخبره بأنهم سيذبحون في غرف نومهم، ذبحا.
المكالمة كانت قبل الانتخابات الرئاسية الأولى، كما يدل إلى ذلك كلام البدوي، وطرف المكالمة الآخر، أي أنها كانت أيام الحكم العسكري، طنطاوي ورفاقه، والتخطيط الذي يتحدث عنه ضابط الأمن مفصل، وواضح، ومبيت، ويجري إخبار رئيس حزب الوفد به بوصفه حقيقة، دخلت مرحلة التنفيذ، وليس مجرد تصورات أو توقعات.
ضع أمام ذلك كل المآسي والمجازر التي حدثت وتحدث، كي يمكنك تصور أن السفيه السيسي كان صادقا حين أخبر بأنه والله ما هو بحكم عسكر، على الأقل في حدود تجربة مصر مع العساكر، مجزرة ماسبيرو، أولتراس الأهلي في بور سعيد، شباب الوايت نايتس في استاد القاهرة، ناهيك عن مجازر غير مسبوقة في التاريخ مثل فض رابعة والنهضة.
حكم عصابات
تجارب المصريين مع الحكم العسكري منذ جمال عبد الناصر والسادات ومبارك، تقول إنهم يراعون المنظر العام، يخرجون جرائمهم بشكل أفضل، يفتحون مساحات من التفاهم مع معارضيهم، تضمن استمرارهم هم أنفسهم، لأكبر وقت ممكن.
مبارك مثلا كان يزور الانتخابات، لكن بطرق مختلفة، تنطلي على بعض الناس، ابتداء من العبث بالنسب، وحتى ترك الكلمة النهائية للصندوق، ومنع وصول الناخب للجان التصويت بالتحالف مع البلطجية، السفيه السيسي يزور “خبط لزق”، الشوارع خالية حتى من المارة، إلا أن الملايين نزلت وانتخبته، التصويت ليومين، سنمدد يوما ثالثا، بالمخالفة للقانون والدستور، اخبط دماغك في الحيط!
القضاة أيام مبارك كانوا يحكمون في الأغلب بما ينص القانون، ثم تتولى أجهزة الأمن عدم التنفيذ، الآن يخبرك القاضي في وجهك، أنه لا يقيم للعدالة وزنا، الفاسدون أيام مبارك كانوا يعملون من وراء ستار، الآن يعينون وزراء، ويخبرون الناس عيانا أن فسادهم “زحف مقدس”، ولن يستطيع أحد إيقافه.
الإعلاميون أيام مبارك كانوا يجتهدون في صياغة تأييدهم بحيل بلاغية والتفافية، الآن يخبرونك صراحة، نحن معه وإن قتل، لو حاولتم خلعه سنشعلها حربا أهلية، والمعارضون أيام مبارك كان يقبض عليهم، ضرب، سحل، كهربا، تعذيب، ثم يخرجون غالبا، على أرجلهم، الآن يخطف الطالب من الجامعة، يقتل، يلقى بجثته في الصحراء، هكذا، دون مواربة، صدق السيسي، لا والله ما هو بحكم عسكر، إنما عصابات!
