كر وفر، واشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن المدعومة بالبلطجية أحيانا، واشتباكات أخرى بين متظاهرين وبلطجية، مشاهد متكررة اعتاد عليها المصريون عقب ثورة يناير، إلا أنها اختفت فجأة عقب انقلاب 30 يونيو 2013، ولا يكاد يختلف الأمر عنه في السودان حيث قتلت متظاهرة في اليوم الثاني للإضراب العام الذي بدأته قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة في أرجاء السودان، بحسب ما أعلنه تجمع المهنيين السودانيين.
في مصر التي سيطر عليها العسكر بعد انقلاب ضد الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، كان يقتل من يقتل من الثوار ومن المدنيين في الشوارع وحتى ملاعب كرة القدم، وكانت رواية العسكر تتهم ما يسمى بـ”الطرف الثالث” بإشعال الفتنة بالشارع، لينتقل الاتهام لبعض الأطراف التي شاركت في الثورة، وبعد انقلاب يوليو 2013 بدأت إعلام العسكر يتهم جماعة الإخوان المسلمين بأنها الطرف الثالث، في حين أنها المجني عليه قبل وبعد الانقلاب.
وإلى السودان حيث لا يختلف الأمر كثيرًا، وقال التجمع في بيان له: إن “اشتباكا بالرصاص الحي وقع بين القوات العسكرية ومتفلتين منها في شارع النيل بالخرطوم، وارتقت على إثره روح ثائرة وعدد من الجرحى”، معربًا عن إدانته لما أسماها “التصرفات الصبيانية غير المسؤولة من القوات النظامية”.
ضرب السلمية
وطالب تجمع المهنيين السودانيين بضرورة تقديم المتورطين إلى العدالة، داعيا في الوقت ذاته “الثوار إلى ضبط النفس والتمسك بالسلمية والالتزام بخريطة الميدان، والتواجد في ساحة الاعتصام، وتفويت الفرصة في هذا الظرف، الذي سيحاول المتربصون بالثورة استغلاله في إشاعة الفوضى، لضرب سلميتنا التي عجزوا عن التصدي لها”، بحسب ما ذكره البيان.

وفي وقت لاحق، أعلن المجلس العسكري بالسودان في بيان له، اعتقال “عسكري أطلق النار إثر مشاجرة، أدت إلى مقتل امرأة وإصابة مواطن”، وتعيد أفعال عسكر السودان ما فعله عسكر مصر، حيث لم يتوقف الأمر عند القتل فقط، بل اتهمت وسائل إعلام العسكر، الثوار الذين تبنوا فكر 25 يناير بأنهم هم الطرف الثالث، بينما الثوار اتهموا فلول الحزب الوطني وجهات توصف بأنها سيادية (المخابرات الحربية) بنفس التهمة.
وبالعودة بالذاكرة قليلا، وعلى مدار 18 يوما بداية من 25 يناير2011 حتى 11 فبراير سقط 1075 قتيل في 22 محافظة مختلفة بحسب ما رصده موقع ويكي ثورة، ورغم اتهام عناصر من الأمن والشرطة والبلطجية المشهورين في قتلهم، إلا أن معظم القضايا طعن عليها، وحصل المتهمون على البراءة.
وحسب حصر “ويكي ثورة” سقط في أحداث محمد محمود التي اندلعت في نوفمبر 2011، 52 شهيدًا بالقاهرة، وشهيدان بالإسكندرية، و 4 بالإسماعيلية، وواحد بكل من الغربية وأسيوط ومطروح، واتهم أيضا وقتها الطرف الثالث في إشعال الأحداث.
لكن وزارة الصحة قالت وقتها إن عدد القتلى 40 شهيدًا و2000 مصاب، بينما أعلنت جبهة الدفاع عن متظاهري مصر أن العدد تجاوز 50 شهيدًا، أما مركز النديم فقد قال أن العدد وصل إلى 90 شهيدًا، وفي السادس عشر من ديسمبر من العام نفسه 2011، وقعت اشتباكات بين قوات الشرطة العسكرية والمعتصمين بمحيط مجلس الوزراء، وراح ضحيتها 17 شهيدًا وأكثر من 700مصاب، وكان الطرف الثالث حاضرا بقوة في هذه الأحداث، وكان هو المتهم الأول بقتل المتظاهرين.
فرم المستندات
واتهم ما يسمى بـ “الطرف الثالث” بإشعال أحداث “ماسبيرو” التي راح ضحيتها 23 قتيلا، 14 دهسًا بالمدرعات، و9 قتلى بالرصاص، وفقا لتقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بعد تطورت اعتداءات الشرطة العسكرية من استخدام العصا وإطلاق الرصاص في الهواء إلى تحرك المدرعات بسرعة بين المتظاهرين، ودهس عدد كبير منهم، انتهاء باستخدام الذخيرة الحية وقنابل الغاز ضد المتظاهرين.
وبحسب تقرير منسوب لمصادر أمنية مجهلة نشرته صحيفة الأهرام الحكومية، فإن الطرف الثالث هو عدد من النشطاء الذين تلقوا تدريبات بالخارج وعادوا لمصر يوم 24 يناير 2011، وعددهم نحو 40، وتضمنت التقارير أسماء عدد منهم كانوا على علم بما سيحدث من أحداث تخريب.
واتهمت تقارير إعلامية بعض الأجهزة الأمنية بفرم المستندات التي تثبت تورط بعض رجال الشرطة بقتل المتظاهرين، وعلى رأسها أشرطة الفيديو الخاصة بالكاميرات المثبتة على المتحف المصري, إضافة إلى القرص المدمج الخاص بتسجيلات غرفة العمليات المركزية بوزارة الداخلية.
من هو؟
وفي يوليو من العام 2012 تقدم محامي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، بطعن على الحكم الصادر ضده بالمؤبد في تهمة قتل متظاهري 25 يناير، وقال المحامي وقتها إن الطرف الثالث هو من قتل المتظاهرين، وأضاف في المذكرة التي قدمها: “أن من قتل متظاهري شارع محمد محمود ومجلس الوزراء هو أيضا من قتل الثوار وأفراد الشرطة يوم 25 يناير، وقد ذكرت السلطات المعنية أن وراء كل هذه الجرائم ما يسمى بالطرف الثالث”.
وأضاف أنه إذا كان سيتم محاسبة حبيب العادلي على فعل لم يرتكبه، ولكنه سمح للطرف الثالث أن يرتكبه فعلى المحكمة أن تعاقب المسئولين الذين سمحوا للطرف الثالث بفعل أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، ومنذ الأيام الأولى للثورة واستخدم السفيه السيسي وأجهزته الأمنية والمجلس العسكري مصطلح “الطرف الثالث” لإخفاء جرائمه بحق الشعب المصري، ولإشاعة الفوضى.
وبحسب تصريح صادم للرئيس محمد مرسي، أكد فيه أن لجنة تقصي الحقائق وضعت يدها على أسماء أشخاص بعينهم ينتمون لأجهزة أمنية بعينها في المخابرات الحربية في الحوادث التي ألمت بمصر منذ أحداث ماسبيرو ومحمد محمود وحرق مجلس الوزراء وحرق مجلس الشورى والمجمع العلمي مرورا بأحداث بورسعيد، ومحمد محمود وصولا لأحداث العباسية واقتحام مقرات حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين”.
ثم انكشاف هذا الطرف مطلقا في: الحرس الجمهوري، والمنصة والفتح ورابعة والنهضة واقتحام مسجد الفتح وأحداث شارع التحرير، وكما كشفت الثورة تورط أجهزة الدولة بقيادة وزير الداخلية حبيب العادلي في حادث كنيسة القديسين، تشير خيوط الطرف الثالث إلى تورط السيسي، فهل تورط عبد الفتاح برهان هو الآخر؟