بالفيديو.. تقرير أمريكي يكشف سر تجاهل «العميل» ترامب لجرائم السيسي

- ‎فيتقارير

على مدار قرابة قرن من الزمان، ومع تصاعد نفوذ واشنطن عقب الحرب العالمية الأولى، لعبت الولايات المتحدة دور شرطي الديمقراطية في العالم، وقررت تطويع آلتها العسكرية الجرارة للتدخل الغاشم والسريع لفرض واقع يُمثّل في قاموس العم سام النموذج الحيوي للحرية، معتبرة إراقة دماء الأبرياء من هيروشيما إلى فيتنام إلى كوبا إلى الصومال إلى أفغانستان إلى العراق، إنما هي ضريبة رخيصة أمام غايات البيت الأبيض.

وفي الوقت الذي نجح هذا القناع الأمريكي في التغول على العالم، كان هذا الشرطي الفاسد يعبث بمقدرات واستقرار الشعوب من وراء ستار، حاشدا استخباراته لتحريك تابعيهم على رأس السلطة في الكثير من العواصم لتنفيذ أجندة ظاهرها الرحمة وباطنها محض خرابٍ، بيد أن هذا الواقع البادي دون مواربة لكل زي عين، لم يمنع واشنطن من ممارسة اللعبة، مستفيدة من كتيبة العملاء وحالة الهون والخنوع العالمي.

إلا أن البيت الأبيض قرر التخلي عن هذا الدور طواعية، في 20 يناير 2017، عندما حط عميل الروس دونالد ترامب رحاله على رأس السلطة، ليبدأ من هذا التاريخ المشئوم دعم أميركا المعلن لانقلابات العسكر، وتسلط الديكتاتوريات، وتجاهلت واشنطن مذابح الطواغيت، وحبس الثوار، ونشر المعارضين، وغض الطرف عن اغتيال أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.

لم تعد أمريكا تهتم

وفي الوقت الذي تزايد فيه الغضب الشعبي من مليشيات العسكر، وتواصلت حملة الاعتقالات والاختفاء القسري، والتعذيب الممنهج، وأحكام الإعدام الفاشية، والقتل خارج القانون، وإفقار الشعب، كان ترامب يستقبل السيسي في بلاده، متجاهلا الأصوات التي تعالت من أبناء جلدته، مستنكرة استقبال هذا القاتل الدموي.

إذًا ما الذي تغير من تصريح الرئيس الأمريكي بأن السيسي “قاتل فاجر”، إلى “إنه لشرف أن استقبل الرئيس”؟، علامة استفهام كبيرة أجاب عنها الكاتب “كولام لينش” عبر تحليل مطول عبر مجلة “فورين بوليسي”، خلاصته أنه “لم تعد أمريكا تهتم بما لا يتعارض في مصالحها في المنطقة”.

لينش كشف عن سر تجاهل الرئيس الأمريكي لجرائم قائد الانقلاب، قائلا: “ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك في الاتجاه المضاد للديمقراطية، ووقف بشكل لا لبس فيه مع المستبدين، تاركًا المسئولين الصغار في البيروقراطية للتعبير عن دعم المتظاهرين”.

وأضاف التحليل الأمريكي: “عندما طُلب من ترامب هذا الخريف أن يعلق على أسوأ قمع في مصر للمتظاهرين منذ الربيع العربي، عبّر عن دعمه غير المشروط لقائد الانقلاب، الذي وصفه ذات مرة صراحة بـ(ديكتاتوري المفضل)”.

وتعامى عميل الروس المهدد بالطرد من البيض الأبيض عن التظاهرات التي خرجت في مصر رغم القمع الوحشي لمليشيات السيسي، والذي استدعى ترامب ذات مرة للتدخل شخصيا للإفراج عن أحد معتقلي السيسي من أصحاب جواز السفر الأزرق، ليعلق على المشهد على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة: “لست مهتما بمظاهرات القاهرة، مصر لديها زعيم رائع، إنه يحظى باحترام كبير، والكل لديه تظاهرات”.

شرطي الطواغيت

وتحولت واشنطن من شرطي الديمقراطية إلى فتوة المستبدين، وهو الموقف الذي لم يُدهش كولام لينش، معتبرا بحسب– عربي 21- أن “تجاهل ترامب الواضح لمسار للديمقراطية في الشرق الأوسط، ليس مفاجئا من رجل شكك في شرعية مؤسسات ديمقراطية أساسية تحدته في بلده، بما في ذلك المحاكم والإعلام والكونجرس”.

واعترف لينش بأن ترامب هرول نحو إعادة العلاقات الطبيعية مع السعودية ومصر، رغم الانقلاب ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، ولم يكلف نفسه عناء التظاهر بأن أمريكا تتوقع من المستبدين أن يتبنوا الديمقراطية.

“فورين بوليسي” دعمت تحليلها، باعتراف مساعد السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي للشئون الخارجية، تيم ريزر، حول انقلاب سياسة البيت الأبيض حول للديمقراطية، قائلا: “في مصر كانت الرسالة الوحيدة التي سمعناها من هذه الإدارة، هي أن السيسي زعيم عظيم، ولم يجعلوا الديمقراطية أو حقوق الإنسان أولوية، وبحسب ما نعلم فإنهم لم يعبروا عن تأييدهم للمتظاهرين المصريين المطالبين بالديمقراطية”.

ديمقراطية المستبدين

“أمريكا لطالما حاولت حمل حكام المنطقة على حكم أكثر انفتاحا، لكنها الآن تدعم بلا خجل العلاقات الدبلوماسية- القابلة للتنبؤ- مع المستبدين والملوك في هذه المنطقة الحيوية استراتيجيا”، لذا صنف لينش أسباب الاحتجاجات ضد السيسي، بأنها “ذاتها أسباب الربيع العربي، من غلاء للأسعار وبطالة واستياء من حكام مترسخين وفاسدين”.

ما وثقه كولام لينش عبر “فورين بوليسي” لواقع السياسة النفعية الأمريكية، دعمه إلدار ماميدوف في مقاله بموقع “لوبلوغ”، مشددا على أن استراتيجية السيسي تعتمد على كسب نفوذ في الاتحاد الأوروبي أيضًا لتسويق نفسه على أنها حصن للاستقرار والتحديث والتسامح ومحاربة الإرهاب “المصطنع”.

وأشار ماميدوف إلى أن السيسي، ومن على شاكلته، يطرح نفسه لدى أوروبا على أنه مدافع عن الحقوق الدينية للأقليات، خاصة المسيحيين، ضد تهديد الإسلام السياسي، وهو ما دفع قائد الانقلاب لخوفه من الانتقاد المستمر لسجل حقوق الإنسان من منظمات مثل البرلمان الأوروبي، بإرسال تواضروس الثاني لتلميع صورة مصر في بروكسل”.

إلا أنه بعد زيارته بأقل من أسبوع، أصدر البرلمان الأوروبي ما يمكن وصفه بأنه أشد قرار ضد مصر حتى الآن، تبني القرار بغالبية كبيرة يوم 24 أكتوبر الماضي، وشجب القرار اعتقال أكثر من 4300 شخص كانوا يتظاهرون ضد الفساد الممنهج والقمع وإجراءات التقشف، مصحوبا بالمطالبة بتنحي السيسي.

وشدد ماميدوف على أن “أعضاء البرلمان الأوروبي طالبوا حكومات الاتحاد الأوروبي بالتوقف عن تصدير أجهزة المراقبة وغيرها من التكنولوجيا التي تسهل القمع، لكنهم امتنعوا عن الدعوة إلى حظر كامل على الأسلحة بسبب تجارة السلاح الفرنسية المزدهرة مع العسكر، واصطفاف باريس الاستراتيجي مع السيسي”.

وختم ماميدوف أن “استمرار الاتحاد الأوروبي بإنفاق المال على نموذج فاشل، أمر خاطئ من ناحية أخلاقية، وقصير النظر من ناحية سياسية، ويشرعن القمع، ويجعل من ادعاء الاتحاد الأوروبي تأييده لحقوق الإنسان عالميا موضوع سخرية، وهو أيضا مضر بمصالح أوروبا ذاتها على المدى الطويل”.

“الواقع أن الاحتجاجات المتصاعدة وقمع السيسي العنيف لها يظهران أن سياسات قائد الانقلاب أكثر احتمالا أن تؤدي إلى تفاقم التوتر في مصر، وستؤدي في النهاية إلى انفجار عنيف، ونتيجة لذلك ستفتح بوابات الهجرة غير المضبوطة التي يخشاها زعماء أوروبا ويبررون بها دعم الديكتاتور”.