لامتناعه عن دعم “بن سلمان” بمواجهة بايدن.. السعودية تؤدب السيسي في “حوار قطان”

- ‎فيتقارير

أسوأ ما يمكن تصوره أن يجري تصوير الخائن على أنه شريف، أو يوصف ماخور العمالة بالشرف والوطنية، هذا ملخص حوار السفير السعودي السابق بالقاهرة أحمد قطان، ووزير الدولة السعودية للشؤون الإفريقية، لقناة "روتانا خليجية" السعودية. الحوار ــ بحسب مراقبين ومحللين ـ إنما يستهدف الضغط على الطاغية عبدالفتاح السيسي وتأديبه على عقوقه النابع من خوفه من سيده الأعظم جو بايدن، بامتناعه عن إدانة التقرير الاستخباراتي الأمريكي عن دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وبدا واضحا خلال الأيام الماضية حالة من الغضب السعودي من سلبية موقف نظام السيسي، وعدم تضامنه مع محمد بن سلمان، والذي يواجه ضغوطا غير مسبوقة من قبل الإدارة الأمريكية، وهو ما قوبل بدعم من عدة دول عربية، لأسباب عديدة لكل دولة، حيث أصدرت كل من الإمارات وقطر والكويت والبحرين وعمان وجيبوتي بيانات تضامن مع بن سلمان، فيما آثر السيسي عدم إعلان التضامن مع بن سلمان، بتوجيه من مخابراته بابتعاده قليلا عن بن سلمان حاليا، خشية الربط بين السيسي وبن سلمان في قضية خاشقجي أو غيره من استهداف المعارضين السياسيين، حيث كانت إحدى الطائرات التي نقلت فريق القتل السعودي مرت من القاهرة، وهو أمر معلوم منذ سنوات؛ قد يورط السيسي مع بن سلمان.
بجانب الممارسات القمعية من قبل السيسي لمعارضيه، وهو مثار انتقادات واسعة من الإدارة الأمريكية الجديدة ومن دوائر السياسة والقانون في أمريكا والغرب، وهو ما تترجمه التقارير الإعلامية المنشورة عبر المنافذ الإعلامية والحقوقية الغربية.
وأمام هذا الموقف الذي اعتبرته السعودية تراخيا من السيسي المدعوم بمليارات الدولارات الخليجية، اتخذت الإدارة السعودية عدة خطوات مضادة لنظام السيسي، منها، اشتراطات جديدة على جامعة الدول العربية، بشأن التوظيف وخفض مستحقات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط المالية، قبل دفع المستحقات السعودية، للجامعة قبل التمديد له مدة ثانية لمدة 5 سنوات، وذلك ما تم يوم الثلاثاء الماضي، وسط دعوات سعودية يقودها القطان وغيره من الدوائر السعودية بضرورة سيطرة السعودية على منصب الأمانة العامة، نظرا لدورها التي تراه أكبر من مصر في الآونة الأخيرة.

التذكير بالخيانة
وفي حوار مفاجئ، خرج السفير السعودي السابق بالقاهرة أحمد قطان، في حوار تلفزيوني، حوى الكثير من الغمز واللمز ولم يخل أيضا من الضغوطات على نظام السيسي، وعايروه بالمساعدات المالية والاقتصادية والسياسية، في انعكاس لحالة الغضب السعودي. ونكأ "قطان" الملفات التي تغضب السيسي وتؤرقه بصورة كبيرة.
أولا، أكد قطان أن السيسي تعاون مع السعودية في تسليم جزيرتي "تيران وصنافير"، على الرغم من مراوغة حسني مبارك ورفضه التحاور مع الرياض في هذا الشأن. وهو مدخل يؤكد أن حسني مبارك كان أكثر وطنية وأكثر احترافا في السياسة من السيسي في الخفاظ على التراب المصري.
ثانيا، فضح "قطان" خيانة السيسي للرئيس الشهيد محمد مرسي؛ حيث أشار إلى امتلاكه ما يهدد عرش السيسي ويطعن في انقلاب 30 يونيو لافتا إلى أن لديه معلومات مهمة بشأن لقاءاته مع السيسي في مبنى المخابرات العسكرية، خلال عهد الرئيس مرسي.
ثالثا، حرص قطان في حواره، على بيان نزاهة الرئيس الشهيد محمد مرسي، الذي رفض التدخلات السعودية بالشأن المصري، على عكس السيسي الذي يعد ونظامه صنيعة للسعودية ودول الخليج، حيث أشار قطان إلى أن "السعودية عرضت على الرئيس مرسي مساعدات مجمدة بـ10 مليارات دولار، رفضها مرسي، لأنها تحتوي على مطالب وشروط سعودية على نظامه، منها التحاور حول "تيران وصنافير" وغيرها من القضايا. مضيفا، أنه خلال عام حكم مرسي، كانت السعودية قدمت لمصر تعهدا بمدها بـ4 مليارات دولار كدعم لها، وصل البنك المركزي المصري منها 2.9 مليار دولار، لم تمتد يد نظام مرسي إليها خلال عام حكمه، نظرا لطبيعتها المشروطة، وبعد الانقلاب على مرسي، أبلغت السعودية السيسي بالأمر؛ فقام مسرعا بإبلاغ حازم الببلاوي، رئيس وزراء أول حكومة للانقلاب، فقام بنسفها في أيام قليلة، حسب رواية قطان والتي أثارت ضحكات المذيع التلفزيوني!

رابعا، على طريقة كيد النسا، ومعايرة السيسي ونظامه، وتذكيرا بالدعم السياسي والدبلوماسي للسيسي وقت الانقلاب العسكري في 2013 -والذي يطلبه بن سلمان من السيسي حاليا – أشار قطان إلى أنه 2013 (فترة الانقلاب) خرج سعود الفيصل إلى الغرب وأمريكا للترويج للانقلاب العسكري بأنه ثورة. مضيفا أن حازم الببلاوي اتصل بقطان شخصيا وأبلغه أن الإدارة الأمريكية أصدرت بيانا عقب الانقلاب العسكري في 2013، هددت فيه بقطع المعونات عن مصر بسبب الانقلاب العسكري، وطلب الببلاوي من السعودية إصدار بيان يعترف بانقلاب السيسي، والتعهد بأن أي قطع للمعونات ستعوضها السعودية والدول العربية، وهو ما تم بالفعل. ويمثل ذلك تذكيرا بأدوار السعودية في خدمة الانقلاب والعمل على تثبيت أركان دولة العسكر من جديد بهدف مطالبة السيسي بدعم مماثل لابن سلمان في الوقت الحرج الذي يمر به حاليا أمام الضغوط الأمريكية.
خامسا، على الرغم من خضوعه للإقامة الجبرية، ما زال أحمد شفيق يثير مخاوف السيسي وإدارته، لما يتمتع به من خلفية عسكرية وأنصار داخل مؤسسات الدولة والجيش، وهو ما لجأ إليه قطان، في تحريك لشفرة السكين عل رقبة السيسي، وإبلاغه بأن من صنع السيسي وصدره للعالم كله يستطيع صناعة غيره وإعلانه للعالم، مدعيا أن "أحمد شفيق هو الرئيس الفائز في انتخابات 2012"، واستند القطان في ذلك إلى شائعات مصطفى بكري الداعم بقوة للسعودية وهو الذي ألف كتابا يزعم فيه أن "تيران وصنافير" سعوديتان. وشكك قطان في نزاهة وعدالة المجلس العسكري والجهاز القضائي ولجنة الانتخابات التي كان يديرها المجلس العسكري آنذاك، رغم أن الانتخابات التي فاز بها مرسي هي الأكثر نزاهة وشفافية بشهادة العالم كله. لكن الإشارة إلى شفيق تمثل تهديدا لعرش السيسي.

الضغط على السيسي

سادسا، ومن ضمن الإدارة الدبلوماسية، التي يجيدها قطان، بجانب ممارسة الضغوط على نظام السيسي، لجأ للتلويح بإمكانيات السعودية السياسية والدبلوماسية، لدعم موقف مصر المأزوم في ملف سد النهضة، وعجز نظام السيسي عن الحفاظ على حقوق مصر التاريخية بالنيل، قال قطان: "السعودية بمقدورها التدخل القوي والحاسم في ملف سد النهضة وحله، كما فعلت سابقا في حل النزاع بين إرتيريا وإثيوبيا، ولكن سنفعل ذلك عندما نتأكد أن الأطراف على استعداد للقبول بما سنقدمه". وهي رسالة تشجيعية للسيسي للعودة لدور العبد غير المارق تحت أقدام محمد بن سلمان، وتتيح الاستثمارات المليارية للسعودية في إثيوبيا ممارسة دور ما للخفاظ على حق ولو جزئيا لمصر في مياه النيل التي أهدرها اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي مع إثيوبيا والسودان في 2015، والذي تتشدد إثيوبيا بالتمسك به حاليا.
سادسا، على أية حال، فإن حوار قطان وغيره من الرسائل السعودية، يعبر عن تقزيم الدور المصري بالمنطقة العربية والشرق الأوسط أمام السعودية التي باتت تتحكم في توجهات النظام المصري وتوجه بوصلة الدولة المصرية لخدمة الأجندة السعودية؛ وليس أدل على ذلك من ملف حصار قطر الذي ثبت فيه أن الدور المصري تابع وذليل لمواقف السعودية، وأن الموقف المصري كان مرهونا بالموقف السعودي الإماراتي يدور معه حيث دار.
قد تحمل الأيام المقبلة المزيد من الضغوط على نظام السيسي، وعلى المعارضة المصرية بكافة أشكالها أن تسعى لتوظيف المشهد الحالي بما يخدم مشروع الحرية والديمقراطية وتحرير مصر من قبضة الاحتلال العسكري الغاشم الذي حول مصر إلى زنزانة كبيرة وسمم كل الأجواء فلم تعد وطنا يحتضن الجميع بل إقطاعية يرتع فيها كبار الخونة واللصوص.