فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ…

- ‎فيمقالات

ينكرُ بعضُ الناسِ ما حلَّ بـ«المحروسة» من غلاء وبلاء، وضنك ووباء، وفساد وإفساد، وقد بات الناس فى أزمات تلو أزمات.. وينسَوْن أن تلك سنة الله فى الماضين والمحدثين: يعذبهم بذنوبهم، ويشقيهم بآثامهم؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، والكفر هنا دون الكفر: هو كفران النعمة وعدم تقييدها بحقها وشكر الله عليها.

قد يسأل سائل: وما ذنبنا إذا كنا لسنا العصاة الآثمين؟ يجيب الله (تعالى) فى كتابه الكريم: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25]، فماذا فعل السائل لما رأى الظالم يظلم، والفاسد يفسد، والفاسق يفجر؟ لقد انسحب مؤثرًا سلامة نفسه، ظانًّا أنه بعيد عما يحدث، جاهلًا بما ورد عن النبى ﷺ: «قيل: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثُر الخبث»، «والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم»..

إن من يشكون هم من يرون الظلم فيقرونه بصمتهم وسلبيتهم، ويعاينون الباطل فيهادنونه، ويصاحبون المجرمين ويؤاكلونهم ويشاربونهم ويتعاملون معهم، ثم بعد ذلك يقولون كما قال السارق أو الزانى عقب جريمته: ما لنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟!

لقد عمَّت المظالم، وهى أقبح المعاصى، ورغم ذلك تجد من يستكثر تلك البلاءات التى حلَّت بنا، كأنه عمى عن رؤيتها، وهؤلاء لا عذر لهم، لا يُعذرون بشىء، وينطبق عليهم قول المعصوم ﷺ: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم بعقاب من عنده».

إن مما وقع ويقع فى بلدنا من قتل وانتهاك أعراض وسرقة أموال وسطو وتهجير، ومحاربة دين الله -لهى كفيلة بغضب الرحمن وشدة نقمته علينا، وفينا من أيد الطغاة وأحل دماء الأبرياء، واسترخص الحرمات، وسنة الله لا تتبدل، ووعده لا يتخلف، وهو قائم بالقسط؛ يزن بالفتيل كما يزن بالقطمير؛ (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) [طه: 111].

ووالله إن ما نجده إن هو نزر يسير من عذاب الله للظالمين وأتباعهم والساكتين، فى الدنيا، وإن هى إلا إنذارات كى نتوب ونرجع وإلا صرنا في عداد الخاسرين؛ (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون: 77]؛ فإن الظلم شؤم وخراب ومهلكة، ولا يغرنك عُلوُّ الظالم وانتفاشه؛ فإن الله يمهلهم أولًا؛ (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [القلم: 45]، ثم يستدرجهم؛ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 182]، ثم يزين لهم (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) [النمل: 24]، وفى الآخر يأخذهم أخذ عزيز مقتدر؛ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102)، «إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»..

قال أحدهم: «إذا مررتَ بأرضٍ قد خربتْ، وبأهلها قد تفرقوا، وبأُنس قد تشعبَ، وببهاء قد تبددَ، وبمال قد فنى، وبصحة قد ذهبت، فاعلم أنها نتيجة الظلم»؛ مصداقًا لقول الله (تعالى): (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [الرعد: 31]، (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: 14]. ومما قال «أبو العتاهية» لـ«هارون الرشيد» فى هذا الأمر وصار شعرًا سائرًا: (أما والله إن الظلم شؤم.. وما زال المسىء هو الظلوم، إلى الديان يوم الدين نمضى.. وعند الله تجتمع الخصوم).

إن ربنا لا تأخذه سِنَةٌ ولا نومٌ، ولا يعجزه شىءٌ فى الأرض ولا فى السماء، حىٌ قيومٌ، بالمرصاد، فلنكن مطمئنين إلى وعده وما يجزى به الظالمين؛ (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ…) [إبراهيم: 42]، وألا نعجل فإنه (سبحانه) لا يعجل لعجلتنا إذ كل شىء عنده بمقدار، عالم الغيب؛ (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف: 59].