«في زمن السيسي».. إما أن تعيش “مليونير حرامي مطبل للعسكر” أو تموت محمود العربي

- ‎فيتقارير

"مفيش حاجة اسمها فلان بيشتغل عندنا، اسمها بيشتغل معانا، الناس دي ربنا سخرنا لهم وسخرهم لنا، وبعد فضل الله وتوفيقه هم شركاء لنا في كل نجاح" كسب محمود العربي مؤسس "العربي جروب" والذي وفاته المنية عن عمر ٨٩ عاما ولاء العاملين في المجموعة، الذين وصلوا لأكثر من ٣٠ ألف موظف بحسن المعاملة والتقدير، وهو ما جعل عصابة الانقلاب تتربص له وتقوم بسحب توكيل توشيبا الذي استمر مقترنا باسم الشركة لعقود طويلة.
وظهر "شاهبندر التجار" كما يطلق عليه في مواقف كثيرة كان آخرها موقفه في ظروف انتشار الكورونا، وقرار حكومة الانقلاب إيقاف العمل لمدة شهر ونصف، عندما قام بصرف جميع مستحقات العاملين كاملة قبل موعدها، ووعد بأن الشركة لن تتخلى عن أي موظف، الأمر الذي دفع السفاح السيسي للترصد له وتوجيه ضربة اقتصادية لشركته.

من الصفر
على عكس رجال الأعمال الفاسدين الذين انخرط بعضهم في تجارة الآثار بمساندة العسكر، أو جلب الهيروين إلى مصر بزعم أنه "بودرة سيراميك"، يعتبر الراحل محمود العربي من أهم رجال الأعمال المصريين الذين بدأوا حياتهم من الصفر، واستطاع أن يبني أحد أكبر شركات الأجهزة الكهربائية في الشرق الأوسط، وهي مجموعة شركات العربي.
وبدأت علاقة رجل الأعمال محمود العربي بالصناعة بإنشاء مصنع صغير للألوان والأحبار، ثم قام بتحويل مجال عمله من تجارة الأدوات المكتبية إلى تجارة وصناعة الأجهزة الكهربائية، وسافر إلى اليابان للحصول على توكيل من إحدى الشركات الكبرى في صناعة الإلكترونيات، وبعد عودته أنشأ مصنعا ودخل انتخابات "الغرف التجارية" ليصبح رئيسا لها لمدة 12 عاما، واتجه إلى السياسة لفترة قصيرة، عندما أصبح نائبا في مجلس الشعب "البرلمان" عن دائرتي السيدة زينب وقصر النيل، في تجربة وحيدة رفض أن يكررها بعد ذلك.
ويفتخر الحاج محمود العربي بأنه ولد لأسرة فقيرة لم تكن تمتلك أي شبر من الأرض، وكل ما استطاعت أن تقدمه الأسرة لابنها هو إلحاقه بـ "كُتّاب القرية" عندما بلغ من العمر 3 سنوات، وبدأ الابن في حفظ القرآن الذي علمه الصدق والأمانة والفرق بين الحلال والحرام، ما ساعده على بناء سمعة طيبة اشتهر بها في جميع مراحل حياته.
وانخرط ملايين المصريين بمختلف انتماءاتهم في مظاهرة حب ورثاء وحزن حقيقي لرجل الأعمال الراحل، تثبت أن الصراع الطبقي منبعه كراهية الفساد وغياب العدالة، وليس كراهية في المطلق من الفقراء ضد الأغنياء.
من جهته يقول الدكتور محمد الصغير، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مستشار وزير الأوقاف وكيل اللجنة الدينية بالبرلمان المصري السابق     "تُوفي الحاج محمود العربي صاحب مجموعة العربي توشيبا الذي كان علامة بارزة في مجال الصناعة والتجارة، وخط اسمه بأحرف من نور في التعامل مع العمال والموظفين، ورعاية الفقراء والمحتاجين، رفع الله درجته وتقبله في الصالحين المرضيين".

لم يكن فاسدا
وعلى عكس طوفان الترحم والمواساة التي حظي بها رجل الأعمال الراحل محمود العربي، زادت معاناة الفقراء مع انقلاب 30 يونيو 2013 وعودة رجال الأعمال المرتبطين بعهد مبارك إلى سُدة الحكم في مصر مع صعود السفاح السيسي إلى الرئاسة.
تلك النخبة الراسمالية التي لا تزيد عن 50 رجل أعمال هي الطبقة ذاتها التي اندلعت ضدها ثورة 25 يناير والتي أفسدت الاقتصاد المصري وباعت القطاع العام وكرسّت نموذجا لنهب وسلب أموال المصريين طوال فترة حكم المخلوع مبارك، ويستعين السفاح السيسي بهم للمزيد من تخريب الاقتصاد الذي أفسدوه.
عودة رجال أعمال المخلوع الراحل مبارك وتصدرهم للمشهد السياسي بعد الانقلاب، وإدارتهم لحملات السفاح السيسي وامتلاكهم لمجموعات إعلامية وقنوات وصحف مضللة، إضافة إلى تحالف عدد كبير من جنرالات الجيش والمخابرات، أدى إلى تدهور الاقتصاد والاتجاه مرة أخرى نحو الخصخصة أو بيع ما تبقى من القطاع العام، وفوق ذلك تحصين المستثمرين وحماية عصابة الانقلاب لفساد رأس المال، مما ينذر بثورة جياع عنيفة.
ويقود مصر حاليا تحالف يضم عددا كبيرا من جنرالات الجيش والمخابرات، ممن شاركوا المخلوع مبارك بصفقات السلاح، وشاركوا رجال أعمال مصريين بتقاسم أرباح صفقات السلاح، يقود البلاد إلى سيناريوهات خطيرة للغاية لمقاومة نظام الانقلاب الفاسد الذي فشلت ثورة 25 يناير في الإطاحة به، منها بروز حركات انفصالية مسلحة داخل الجيش ذاته وبين صغار الضباط لتغييرالمشهد بالقوة بعد الإطاحة بالسفاح السيسي.