عجز المعلمين يزيد ارتباك العملية التعليمية بمصر

- ‎فيمقالات

أدى إعلان وزارة التعليم المصرية عن قبول معلمين متطوعين بلا أجر، وقبول معلمين للعمل بالتدريس مقابل 20 جنيها للحصة، لسد العجز بأعداد المدرسين، إلى عودة قضية نقص عدد المعلمين بالمدارس الحكومية إلى التناول الإعلامي، لكنه يبدو أن الأمر لن يتعدى ذلك التناول المؤقت، حيث لم يعلق على المشكلة سوى وزير التعليم الذي أرجعها لنقص التمويل ووقف التعيينات بالحكومة.

وإذا كان الوزير قد ألقى الكرة فى ملعب وزيرى المالية والتخطيط فلم يعقب أي منهما، ونفس الأمر لرئيس الوزراء ورأس النظام، رغم أنها مشكلة قومية تحتاج لقرارات فوقية وليست خاصة بوزير التعليم، لذا نتوقع أن تستمر الوزارة فى علاجها للمشكلة بالمسكنات الجزئية مثل الاستعانة بمن يؤدون فترة الخدمة العامة لمن لا يلتحقون بالتجنيد، لتظل المشكلة قائمة مع زيادة أعداد العجز بالمدرسين بمرور الوقت.

وبدأت المشكلة مع الاستجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي بتقليل العاملين بالحكومة، ولأن وزارة التربية والتعليم تضم أكبر عدد من العاملين بالحكومة، فقد صدر قرار لرئيس الحكومة عام 1998 يوقف نظام تكليف خريجى كليات التربية بالعمل بالمدارس بعد تخرجهم، والذي ظل متبعا لسنوات طويلة، مما أدى لتراجع إقبال الطلاب على الالتحاق بكليات التربية، وبعد أن كانت من كليات القمة بالمرحلة الأولى فى تنسيق القبول بالجامعات لضمان العمل بعد التخرج، تراجعت الى المرحلة الثالثة، بعد عجز التعليم الخاص عن استيعاب خريجي كليات التربية.

ففى عام 2019 كان عدد خريجى كليات التربية 63 ألف خريج، بينما كانت الزيادة فى عدد المدرسين بالتعليم الخاص بالعام الدراسى 2019/2020 نحو 4379 مدرسا فقط، إلى جانب أن نسبة التربويين بمدرسى القطاع الخاص أقل من 48 %.

وخلال السنوات العشر الممتدة من عام 2011/2012 وحتى العام 2020/2021، بلغت زيادة عدد المدرسين بالتعليم الخاص 54 ألف و215 مدرسا، أي بمتوسط سنوي 5422 مدرسا، أي إن عدد الزيادة خلال عشر سنوات يقل عن عدد خريجى كليات التربية فى عام واحد.

واستمرت وزارة التعليم فى عدم التعيين لمدرسين جدد لسنوات، مما أدى لتناقص عددهم نتيجة المرض والوفاة والخروج للمعاش، وزاد متوسط أعمار المدرسين بالتعليم الحكومي لغالبية المعلمين، بسبب وقف التعيين، فيما عدا تعيين 15 ألف معلم عام 2015 لكنه لم يف بالعجز الكبير.

وفى عام 2018 أعلنت وزارة التعليم عن مسابقة لتعيين مدرسين جدد، تقدم لها نحو 150 ألف شخص تم اختيار 36 ألف معلم منهم، وتم تشغيلهم بالفعل لكن التشغيل لم يستغرق سوى ثلاثة أشهر من فبراير إلى مايو 2019 ثم تم إنهاء التعاقد معهم.

وفى أكتوبر 2019 أعلن محمد عمر نائب وزير التعليم لشؤون المعلمين أن عجز المعلمين بلغ 350 ألف معلم، وأعلن عن إطلاق بوابة قاعدة بيانات للمؤهلين للعمل بالمدارس الحكومية والدولية والخاصة، تقدم لها حوالي 600 ألف خريج، وتم التعاقد مع 120 ألف خريج منهم، تكلف كلا منهم أكثر من خمسة آلاف جنيه للحصول على دورة تربوية ورسوم التحاق بنقابة المعلمين وغيرها، لكنه لم يتم شىء بعدها ولم يعمل أحمد منهم.

وبعد استهجان بعض وسائل الإعلام لقيمة الحصة البالغة 20 جنيها للمدرسين الجدد الذي تم الإعلان عنها قُبيل العام الدراسي الحالي، خاصة وأن هناك حد أقصى للحصص الأسبوعية يبلغ 24 حصة أى إن الأجر الشهري سيصل أقصاه الى 1920 جنيها، بينما الحد الأدنى للأجور بالحكومة 2400 جنيه، قال وزير التعليم إن تلك القيمة حددتها وزارة المالية وإن العجز بالمعلمين يصل الى 250 ألف مدرس، يتكلف تعيينهم 10 مليارات جنيه سنويا بالإضافة إلى مليار جنيه للزيادة السنوية بالأجور.

وأن وزارة المالية هى المسؤولة عن تدبير تلك المبالغ والتى يصعب تدبيرها فى ظل الأولويات الحالية للدولة ومواجهة تداعيات كورونا، وبعد أيام قليلة خرج بيان من وزارة التعليم يشير إلى أن عجز المدرسين يصل إلى 260 ألف مدرس يتكلف تعيينهم 9 مليارات جنيه، وهو ما لم يجد قبولا بين المتخصصين بالتعليم، حيث ذكر نقيب المعلمين أن العجز يصل الى 350 ألف مدرس، أي بنسبة 39 % من عدد المعلمين، وهو عجز يزيد سنويا بنحو 50 ألف مدرس نتيجة الخروج للمعاش ووقف التعيين، واستند آخرون إلى تصريح نائب وزير التعليم فى أكتوبر 2019 ببلوغ العجز وقتها 320 ألف مدرس، والمفترض أن يزيد العجز فيما بعد ذلك لا أن يقل فى ضوء عدم تعويض أعداد الخارجين للمعاش.

وهكذا تصل بنا بيانات مركز معلومات وزارة التعليم للعام المالى 2020/2021 أي بالعام الدراسي السابق، إلى أن اعداد المدرسين بالتعليم الحكومي تبلغ 897 ألف معلم، مقابل 21 مليون و875 ألف تلميذ بالتعلم الحكومي، أي إن متوسط نصيب المدرس من التلاميذ 24 تلميذا، وهو متوسط يختلف باختلاف المراحل التعليمية حيث يصل إلى حوالي 32 تلميذا بالمرحلة الابتدائية، و23 تلميذا بالتعليم ما قبل الابتدائي و22 بالمرحلة الإعدادية، وهي متوسطات تزيد كثيرا عن النسب العالمية التى تصل إلى مدرس لكل تسعة تلاميذ بالتعليم الأساسى فى كوبا وعشرة تلاميذ في بولندا.

وعلى مستوى المحافظات السبع والعشرين كانت هناك فجوة واضحة ببعض المحافظات، فمحافظة الجيزة التي تحتل المركز الأول بعدد التلاميذ، جاءت بالمركز التاسع فى عدد المدرسين بين المحافظات المصرية، والنتيجة بلوغ نصيب المدرس بها 39 تلميذا كمتوسط للمراحل التعليمية، ويصل نصيب المدرس بالتعليم الايتدائى بالجيزة 52 تلميذا لكل مدرس وبالاعدادي 33 تلميذا.

وبلغ نصيب المدرس 30 تلميذا بمحافظة مرسى مطروح، و29 تلميذا بكل من محافظات البحيرة والفيوم والإسكندرية، و27 تلميذا بمحافظتي بنى سويف والقاهرة و26 تلميذا بالقليوبية، ويزداد العدد داخل المحافظة الواحدة في القرى والنجوع.

ولأن المدرس هو حامل وناقل للقيم الأساسية والمبادىء العليا بالمجتمع ويبث من خلال الشرح قيما ثقافية تشكل وعى الطالب، فقد طالب الكثيرون بعودة التكليف لطلاب كليات التربية كخريجين مؤهلين للقيام بالدور التربوي، بعكس المتطوعين أو العاملين بالحصص مقابل عشرين جنيها للحصة، الذين لا أمل لديهم للتعيين حسب تصريح الوزارة بألا يطالبوا بالتعيين، ومصابون بالإحباط ولا يسمح لهم الحد الأقصى الشهرى للأجر الذى يقل عن الألفى جنيه بالظهور بالمظهر اللائق، في ظل ارتفاع أسعار المواصلات والوجبات الغذائية والملابس، ولهذا سيضطرون للعمل عملا آخر للوفاء بتكاليف المعيشة ربما كان العمل على توك توك .

كما أن التدريس عملية تراكمية الخبرة، وأن التعيين يعطى ولاء وعطاء للمهنة وللتلاميذ، ولهذا كان أجر المعلم فى صدارة الأجور فى بلدان مثل ألمانيا واليابان، بينما يعمل المدرس المصرى فى ظروف صعبة فى ظل كثافات فصول مرتفعة بلغ متوسطها الرسمى بالمرحلة الإبتدائية بمحافظة الجيزة 71 تلميذا بالفصل، و63.5 تلميذ بالإسكندرية و62 تلميذا بالقليوبية

وفترات دراسية تقصر الفترة الزمنية للحصص لحوالي 35 دقيقة، وانفلات أخلاقي مجتمعي ينعكس على درجة الضوضاء داخل الفصول وصعوبة الانضباط داخل أسوار المدارس وخارج أسوارها، وأجور لا تف بالمتطلبات المعيشية للأسر لغالبية المعلمين، وتجريم للدروس الخصوصية، ومعاشات متدنية تتأخر عادة عن موعد صرفها.

……………..

نقلا عن: الجزيرة مباشر