اعترف الكاتب البريطاني جورج مونبيوت، أن استقلال الدول العربية والإفريقية التي كانت تحت الاحتلال الغربي هو استقلال شكلي وأن الغرب لا يزال حتى اليوم يتحكم في مصير هذه الأمم والشعوب. وفي مقال بصحيفة "الجارديان البريطانية" يقول مونبيوت إن الـ 500 عام الماضية، كانت عبارة عن حفنة من الدول الأوروبية التي أتقنت فن العنف وتقنيات الملاحة، وقامت بغزو مناطق الآخرين والاستيلاء على أراضيهم وشعوبهم.
وحول استقلال هذه البلاد التي وقعت تحت سيطرة واحتلال الغرب خلال القرون الماضية، يقول الكاتب إنه بمرور الزمن، وتحت وطأة الحروب المتكررة وثورات الشعوب المستعمرة، "أجبرت البلدان الثرية على ترك معظم الأراضي التي كانت قد استولت عليها، على الأقل من الناحية الرسمية. حيث سعت تلك المناطق إلى ترتيب أوضاعها وتأسيس بلدان مستقلة، إلا أن استقلالها لم يكن أكثر من مجرد استقلال شكلي". بحسب ما ورد بنص المقال.
ويؤكد الكاتب أن استقلال الشعوب التي كانت محتلة هو استقلال شكلي، وأن البلدان الغربية الغنية استمرت في نهب الفقراء باستخدام أدوان الديون الدولية والتعديل الهيكلي والانقلابات والفساد، وذلك بمساعدة ملاذات الأوفشور الضريبية وسرية الأنظمة، وكثيرا ما كان يتم ذلك من خلال حكومات الوكالة التي نصبوها وسلحوها".
ويتهم الكاتب الغرب بالتسبب في المذابح الجماعية الوحشية التي جرت خلال القرون الماضية، موضحا أن التنافس على السيطرة على بلدان الشعوب الأخرى أفضى إلى حروب متكررة بين القوى الاستعمارية التي اخترعت في سبيل تبرير العنف مذاهب جديدة مثل التصنيف العنصري، والتفوق العرقي والواجب الأخلاقي، الذي يتطلب إنقاذ الشعوب الأخرى من همجيتها وفسادها. مؤكدا أن تلك المذاهب بدورها هي التي أفضت إلى الإبادة الجماعية.
وبحسب الكاتب فإن الدول الغربية المتفوقة حضاريا، استخدمت المسروقات من أيد عاملة وأراض وبضائع الشعوب المقهورة لتغذية ثوراتها الصناعية. ومن أجل التعامل مع الزيادة الكبيرة في حجم ومستوى التعاملات، أنشئت أنظمة مالية جديدة، انتهى الأمر إلى أن تهيمن على اقتصاديات تلك البلاد. سمحت النخب الأوروبية لقدر ضئيل من الثروة المنهوبة بالوصول إلى أيدي قواها العاملة سعيا لتلافي الثورة، ونجحت في ذلك في بريطانيا، ولكن لم يحالفها الحظ في أماكن أخرى.
هم سبب التلوث الكوني
ويتهم الكاتب الغرب بشركاته وصناعاته بالتسبب في أزمة التلوث؛ فالثورات الصناعية أطلقت فضلات منتجاتها حيث تسممت أجواء المدن ومياه الأنهار، وعندما اكتشف الأثرياء أضرار هذه الصناعات انتقلوا إلى العيش في الأماكن التي لم يلوثوها، ثم بعد ذلك نقولوا هذه الصناعات إلى الدول التي كانت محتلة من قبل لتواجه شعوب هذه الدول الآثار الخطيرة لهذه الصناعات. يقول الكاتب «اكتشفت البلدان الثرية أنها لم تعد بحاجة إلى الصناعات التي تتصاعد منها الأدخنة، فمن خلال التمويل وإنشاء الشركات التابعة، غدا بوسعها حصد الثروة التي تجنيها الصناعات المقامة في بلدان الآخرين ما وراء البحار».
ويضيف الكاتب «بعض الملوثات كانت غير مرئية وعالمية في الوقت نفسه، ومن بينها ثاني أكسيد الكربون، الذي لم يتبدد وإنما تجمع في الأجواء. جزئيا بسبب أن معظم البلدان الثرية ذات مناخ معتدل، وجزئيا بسبب الفقر الشديد الذي تعاني منه المستعمرات السابقة بسبب قرون من النهب، كانت آثار ثاني أكسيد الكربون وغيرها من غازات البيت الزجاجي أكثر ما يشعر بها أولئك الذين كانوا أقل الناس استفادة من إنتاجها. إذا لم تكن المحادثات في جلاسكو شكلا آخر من أشكال القهر، فينبغي أن يكون العدل المناخي في الصميم منها».
ويتابع «حرصا من البلدان الثرية على أن تظهر دوما بمظهر المنقذ، فقد وعدت بمساعدة مستعمراتها السابقة على التكيف مع الفوضى التي سببتها. منذ عام 2009، تعهدت تلك البلدان الغنية بدفع 100 مليار دولار (750 مليار جنية إسترليني) للدول الأفقر على شكل تمويل مناخي. حتى لو فعلا وفت بما وعدت وقامت بدفع تلك الأموال، فهي مبالغ رمزية شحيحة. بالمقارنة، منذ 2015، أنفقت بلدان مجموعة العشرين 3.3 تريليون دولار دعما لصناعاتها التي تقوم على الوقود الأحفوري. ومن نافلة القول بأنهم بالفعل أخفقوا ولم يفوا بما تعهدوا به».
ويضيف الكاتب «في آخر عام تتوفر لدينا أرقام له، وهو عام 2019، قدموا ثمانين مليار دولار، لم يخصص من بينها سوى عشرين مليار دولار للتكيف، أي مساعدة الناس على التكيف مع الفوضى المفروضة عليهم، وفقط سبعة بالمائة من هذه الصدقات البخيلة ذهبت إلى البلدان الفقيرة التي هي أحوج ما تكون إلى المال».
ويوضح الكاتب أنه «بدلا من ذلك، صبت البلدان الغنية الأموال في الجهود التي تبذلها لقطع الطريق على الناس الهاربين من بلدانهم بسبب الانهيارات المناخية وغيرها من الكوارث. ما بين 2013 و 2018، أنفقت بريطانيا على إغلاق حدودها تقريبا ضعف ما أنفقته على تمويل المناخ. وأنفقت الولايات المتحدة 11 ضعفا، وأستراليا 13 ضعفا، وكندا 15 ضعفا. بالمجمل، تحيط البلدان الغنية نفسها بجدار مناخي؛ وذلك بهدف إقصاء ضحايا فضلات منتجاتها هي وإبقائهم بعيدين عنها».
ويرى الكاتب أن «مهزلة التمويل المناخي لا تنتهي عند هذا الحد؛ فمعظم الأموال التي تزعم البلدان الثرية أنها تقدمها، تأخذ شكل قروض. تقدر منظمة أوكسفام، نظرا لأن معظم الأموال سيتوجب إعادة دفعها مع ما يترتب عليها من فوائد، أن القيمة الحقيقية للأموال الممنوحة لا يتجاوز ثلث القيمة الاسمية. ثم يتم تشجيع البلدان المثقلة بأعباء الديون بتحمل المزيد من الديون لتمويل تكيفها مع الكوارث التي تسببنا بها نحن. إنه أمر مذهل وغاية في الظلم. بحسب الكاتب.
وينتهي الكاتب إلى القول «دعك من المساعدات، ودعك من القروض، ما تدين به البلدان الغنية للبلدان الفقيرة هو تعويضات. معظم الضرر التي نجم عن الانهيار المناخي يجعل فكرة التكيف موضع سخرية، فكيف سيتكيف الناس مع درجات حرارة أعلى مما يمكن لبدن الإنسان أن يتحمله، وكيف يمكن أن يتكيفوا مع الأعاصير المتكررة والمدمرة التي تأتي علي البيوت فلا تبقي منها أثرا، وكيف يتكيفون مع غرق الأرخبيلات عن بكرة أبيها، وكيف يتكيفون مع جفاف الأراضي فتصبح الزراعة مستحيلة؟ ولكن بينما غدا مفهوم "الفقد أو التلف" غير القابل للإصلاح مقرا منذ اتفاقية باريس، إلا أن البلدان الغنية أصرت أن ذلك لا يشكل أساسا لتحمل أي مسؤولية أو الالتزام بدفع أي تعويض». ويؤكد الكاتب أن الدول الفقيرة ليست بحاجة إلى الغرب ومصارفه ومؤسساته المالية وقروضه بقدر ما هي بحاجة إلى العدالة.
