تحمل الانتقادات التي وجهتها الخارجية الألمانية لنظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي في ملف حقوق الإنسان وردود الأفعال العصبية من جانب وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب العسكري في مصر كثيرا من الرسائل والدلالات؛ ذلك أن الخارجية الألمانية كانت قد طالبت الخميس الماضي، قبل أن يتم الحكم أمس على الناشطين “علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد أكسجين” بالسجن 5 سنوات في القضية 1228 لسنة 2021م. بالإفراج عنهم.
كانت نيابة أمن الدولة العليا أحالت عبدالفتاح و«أكسجين» والباقر إلى محكمة أمن الدولة طوارئ، نهاية أكتوبر الماضي، بتهمة «نشر أخبار كاذبة باستخدام أحد مواقع التواصل الاجتماعي»، وذلك في قضية منسوخة من القضية 1356 لسنة 2019، جنايات أمن دولة، والمتهمين فيها بتهم أخرى مثل «الانضمام لجماعة إرهابية».
وأشارت الحكومة الاتحادية في المانيا إلى أن «حرية التعبير هي أساس السلام الاجتماعي ومشاركة جميع الأوساط الاجتماعية والاستقرار المستدام»، معبرة عن أملها في أن تعمل مصر على تحقيق المحاكمة العادلة، وأن يكون حكم الغد «إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر»، حسب البيان.
أول دلالات هذا السجال أن الحكومة الألمانية الجديدة تبدأ علاقتها بالسيسي بانتقاد في ملف حقوق الإنسان؛ وهو الملف الأضعف لنظام السيسي الذي توظفه الحكومات الغربية في ابتزاز النظام والضغط عليه لتحقيق كثير من المكاسب؛ وقد حققت سياسات الحكومات الغربية بابتزاز نظام السيسي في هذا الملف كثير من المكاسب والمصالح؛ لأن نظام السيسي عادة ما يواجه هذه الانتقادات والضغوط بالمزيد من الصفقات لإسكات هذه الأصوات الأوروبية الناقدة لانتهاكاته المتواصلة في ملف حقوق الإنسان.
ثاني الدلالات أن هذه الانتقادات الألمانية تأتي من حكومة جديدة اشتراكية التوجه، بعد الانتخابات الأخيرة التي أطاحت بالحزب المسيحي الديمقراطي الذي كانت تقوده المستشارة إنجيلا ميركل التي تصدرت المشهد السياسي في ألمانيا وأوروبا لنحو 15 سنة. قد تكون هذه الانتقادات برهانا على تحولات لافتة في التعاطي الألماني مع الملف المصري والانتهاكات المروعة في ملف حقوق الإنسان، وقد تكون شكلا من أشكال الابتزاز كما تعودنا من الحكومات الغربية سرعان ما تنطفئ مع أقرب صفقة يبرمها السيسي مع الحكومة الألمانية الجديدة. وبالتالي لا يتعين علينا التعجل في استنتاج مواقف ألمانية جديدة قد لا تكون صحيحة أو معبرة عن حقيقة الموقف؛ والأفضل أن نتريث وندع الأيام تثبت لنا جدية الموقف الألماني من عدمه بناء على مواقفها العملية خلال الشهور والسنوات المقبلة.
ثالث الدلالات، هو حساسية النظام العسكري في مصر تجاه أي انتقاد غربي لملف حقوق الإنسان في مصر؛ فقد جاءت ردود الفعل من جانب الخارجية المصرية عصبيا ومتوترا؛ فقد أصدرت بيانا اتهمت فيه الحكومة الألمانية بالتدخل السافر وغير المبرر في الشأن الداخلي المصري، وكذلك «المصادرة على مسار قضائي دون دليل أو سند موضوعي». ورغم تثمين الخارجية الألمانية ما أسمته بـ«الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، بما في ذلك إطلاق أول استراتيجية مصرية لحقوق الإنسان في سبتمبر 2021»، إلا أن أن ذلك لم يقلل من حدة رد الخارجية المصرية، وبيانها الذي قال إنه «من الأحرى أن تلتفت الحكومة الألمانية لتحدياتها الداخلية بدلاً من فرض وصايتها على الغير»، مضيفة أن مصر تتعجب من «طلب الحكومة الألمانية احترام القانون، وتدعو في ذات الوقت للتدخل والتأثير على أحكام القضاء المصري الشامخ والمشهود له بالاستقلالية والحيادية والنزاهة».
رابع الدلالات، أن هذه الانتقادات الألمانية قد يكون الهدف منها التبرؤ من صفقة الأسلحة التي وافقت عليها الحكومة الألمانية السابقة قبل رحيلها بيوم واحد لنظام الدكتاتور السيسي، وهي الصفقة التي قوبلت بانتقادات حقوقية بالنظر إلى ملف نظام السيسي المتخم بالانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، وهي الصفقة التي أثارت ــ أيضا ــ حالة من الاستياء بين الائتلاف الحاكم الجديد بألمانيا المعروف باسم ائتلاف “إشارة المرور”، الذي يقود المستشار الجديد أولاف شولتز. وقالت كاتيا كويل، وهي وزيرة دولة في وزارة الخارجية الألمانية، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) يوم الخميس (16 ديسمبر 2021): “لا يمكنني تصور أن الحكومة الجديدة كانت ستصرح بهذا البيع”. وأضافت أن اتفاقية الائتلاف الحاكم (الجديد) تضم فقرة واضحة عن موضوع صادرات الأسلحة، وقالت: “الواقعة تظهر أنه يجب علينا تنفيذ هذه الفقرة على الفور ويتعين علينا تمهيد الطريق لقانون لتصدير الأسلحة”. وبحسب الصفقة سيتم السماح لشركة “تيسن كروب” للأنظمة البحرية بتوريد ثلاث فرقاطات من طراز “ميكو إيه200- إي إن” إلى مصر. وتمت الموافقة أيضا لشركة “ديل ديفينس” الألمانية على توريد 16 نظام دفاع جوي من طراز “إيريس-تي إس إل إس/إس إل إكس” إلى مصر أيضا، أما التصريح الثالث، فيسمح لشركة “تيسن كروب” للأنظمة البحرية بتصدير غواصة من طراز “218 إس جي” إلى سنغافورة، بحسب محتوى التصريح.
خامس الدلالات، أن هذه الانتقادات الألمانية تعيد إلى الأذهان فضيحة سحب جائزة أوبرا دريسدن من السيسي في فبراير 2020م، وذلك بعد منحه إياها بأسبوع واحد في أعقاب الضغوط الكثيفة التي لاحقت دار الأوبرا والاستنكار الواسع لمنح الجائزة لدكتاتور دموي، وفي تعليقها على سحب الجائزة وقتها من السيسي كتبت وكالة “دويتش فيلا” الألمانية «أثار اختيار السيسي غضبا واسعا في الساحة السياسية والثقافية الألمانية، حيث عبّر الكثيرون عن استيائهم من منح رئيس وصل عدد سجناء الرأي في بلاده إلى مستوى لا يطاق، ويعاملون بقسوة مفرطة، فكيف يتم تقديمه كـ”مصدر أمل وشجاعة لقارة بأكملها”، وفق ما ذكر التعليل الأولي لدار أوبرا دريسدن غداة الإعلان عن اختيار السيسي؟».
