أثنى الصحفي الفرنسي المعروف جورج مالبرونو على التحولات التي يفرضه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في بلاده، وهي التحولات التي يراها قطاع واسع في بلاد الحرمين "انقلابا" على الهوية الإسلامية لبلاد الحجاز مهبط الوحي وقبلة الإسلام، ويستدل الصحفي الفرنسي على صحة ما ذهب إليه بأن السعودية تشهد تغيرا ملحوظا؛ حيث شاهد نساء "مكشوفات السرة في شوارع المملكة"، أثناء مرافقته للرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرياض في شهر ديسمبر الماضي "2021".
وقال الصحفي الفرنسي الذي يعمل بصحيفة "لوفيجارو" في مقابلة له مع قناة "فرانس 2" الثلاثاء 4 يناير 2022م، إنه قضى 3 أيام بالسعودية بعد انتهاء زيارة ماكرون إلى محمد بن سلمان، قائلا: "علينا أن نعترف أن السعودية تتغيّر بسرعة". وأبدى إعجابه الشديد بهذه التحولات الضخمة في بلاد الإسلام الأولى مضيفا: «صرت لا تشاهد النساء بلباس غريب، بل بالعكس، يمكنك اليوم أن تشاهد سرّة النساء في الشارع"، معتبرا أن "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يسعى إلى تطوير بلاده»!
ويستخدم ولي العهد المثير للجدل بعض السلوكيات التي انتشرت في بلاده خلال العقود الماضية كنوع من العادات والتقاليد الدخيلة على الإسلام مثل (حرمان النساء من قيادة السيارات ــ فرض النقاب) لتمرير تجاوزات وانحرافات تخالف مبادئ الإسلام وأحكامه مثل التعري والخمور والرقص وهو ما يمثل إصرارا من "بن سلمان" على نشر الفاحشة في بلاد الحجاز مهبط الوحي ومهد الإسلام؛ سعيا منه لاسترضاء الحكومات الغربية والموافقة على توليه عرش بلاد الحرمين خلفا لوالده المسن (87 سنة) والذي يعاني من عدة أمراض.
وتتسارع وتيرة الانقلاب الذي يقوده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على هوية بلاد الحرمين الشريفين معتمدا على أدوات القمع والإرهاب؛ حيث يقود ولي العهد تحولات ضخمة تعصف بكل الأسس والمرتكزات التي تأسست عليها الدولة السعودية التي أسسها الجد عبدالعزيز آل سعود في العقد الرابع من القرن العشرين. هذا الانقلاب الناعم خطير في جوهره وأهدافه كارثي في نتائجه ومآلاته، يدهس كل الأسس والثوابت الدينية التي طالما تظاهر نظام الحكم السعودي باحترامها استنادا على أن مشروعية النظام يستمدها من حماية الشريعة والعمل بها وخدمة الحرمين الشريفين، قبلة الإسلام ومهده.
وتحت لافتة «الإصلاح» البراقة والخادعة يجري العصف بكل هذه القيم والثوابت والمرتكزات جملة واحدة في سنوات قليلة، منذ أن تولى محمد بن سلمان ولاية العهد في منتصف 2017م.
وشهدت الشهور الماضية تطرفا سعوديا في مجال الترفيه والتعري والانحراف عن قيم ومبادئ وأحكام الإسلام. حيث استضافت المدن السعودية فعاليات "موسم الرياض 2021م" الذي شارك فيه عدد من أشهر أسماء مطربي المهرجانات الشعبية المثيرة للجدل في مصر، والذين تحظرهم نقابة المهن الموسيقية بدعوى حماية الذوق العام والفن الراقي ومواجهة الفن الرديء والكلمات الهابطة. لكن رئيس هيئة الترفيه السعودي تركي آل الشيخ استضاف يوم 29 نوفمبر 2021م، حمو بيكا وحسن شاكوش وعمر كمال على مسرح "أبو بكر سالم" في بوليفارد رياض سيتي.
كما نظمت الرياض أيضا في من الثالث حتى الخامس من ديسمبر 2021م سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 بمدينة جدة السعودية، وهو الحدث الأول من نوعه في بلاد الحرمين الشريفين؛ ورافق الحدث فعاليا ترفيهية منه حفل موسيقى ضخم للمغني العالمي جستن بيير. كما شارك في الحفلات الغنائية المصاحبة للسباق فنانون عالميون مثل جايسين ديرولو، آيساب روكي، تييستو ودايفيد غيتا.
واستضافت المملكة أكبر مهرجان موسيقي بالشرق الأوسط في الفترة من (16 ــ 19 ديسمبر 2021م)، بمشارك كبار الفنانين والموسيقيين العالميين على مسارح ساوندستور، ضمن الفعاليات والمواسم التي أطلقتها منصة "روح السعودية"، التي تعرض جميع النشاطات السياحية والفعاليات، المقرر إقامتها خلال شتاء السعودية (من أكتوبر 2021 وحتى مارس 2022). يشارك في المرجان ــ وفقا وكالة الأنباء السعودية "واس" ــ نحو 200 فنان من "هولندا، ونيويورك، وكندا، وروسيا، وفلوريدا، وغيرها".
ولأول مرة في تاريخ بلاد الحرمين الشريفين تنظم الحكومة السعودية في ديسمبر 2021 مهرجانا سينمائيا (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)، شارك فيه مئات الممثلين والممثلات بملابس السهرة الشفافة والتي تكشف أكثر مما تستر. تقول الممثلة المصرية المثيرة للجدل إلهام شاهين: «لا أصدق أنني أشارك في أول مهرجان سينمائي في جدة، أنا سعيدة جدا من أجل السعودية، تعودت المجيء من أجل الحج أو العمرة، لكني هذه المرة جئت لأشارك في مهرجان سينما وسط نجوم من كل أنحاء العالم؛ هذه طفرة، وهذا تطور عظيم في تاريخ المملكة».
التنكيل بالعلماء والدعاة!
تتزامن هذه التوجهات التي يقودها ولي العهد السعودي مع أكبر حملة قمع شنتها أجهزتها الأمنية بحق مئات العلماء والدعاة إلى الله؛ الذين جرى اعتقالهم في 2017م، بتهم سياسية كيدية؛ ثبت أن الأسباب الحقيقية تتعلق بأن هؤلاء العلماء يمثلون أكبر عائق أمام توجهات ولي العهد بوصفهم يمثلون تيار الصحوة الإسلامية الذي يحظى بشعبية جارفة في بلاد الحرمين، وعلى رأسهم الدكتور سلمان العودة وعوض القرني، وعلي العمري وسفر الحوالي وأولاده والشيخ محمد صالح المنجد صالح العمر ومحمد سعد الشريف وعبدالعزيز الطريفي وغيرهم. تجاوز عدد المعتقلين الحقوقيين 20 شخصية، و24 صحفيا وإعلاميا، وأكثر من 60 من حملة الدكتوراه وأكثر من 40 شخصية لهم كتب ومؤلفات هامة. وتعرض معظهم وفقا للحساب "للتعذيب الجسدي بالصعق والضرب والتعليق لساعات من الأذرع والسحل في ساحات السجن، وسط محاكمات سياسية شكلية أمام قضاة يفتقدون إلى أدنى معايير النزاهة والعدالة. كما تتزامن مع حصار شديد تفرضه السلطات السعودية على كل الحركات الإسلامية المعتدلة التي تقود دعوات الإصلاح والتغيير حيث تم حظر جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها منظمة إرهابية، كما تم حظر جماعة "التبليغ والدعوة" المعروفة باسم "الأحباب" في بلاد الحرمين وسط اتهامات لها بالوثنية والإرهاب. في الوقت الذي فتحت فيه السلطات أبوابها لكل منافق يبرر للسلطة أفعالها حتى لو كانت بالغة الشذوذ والانحراف ومناقضة لأحكام الإسلام ومبادئه، مثل التيار الجامي المدخلي.
ووفقا لوكالة "بلومبرج" الأمريكية في تقرير لها نشرته في نوفمبر 2021م، فإن السلطات السعودية خصصت 64 مليار دولار في صناعة الترفيه، بهدف تنويع اقتصادها المعتمد على النفط، مشيرة إلى أن جزءا من هذه الميزانية الضخمة موجه لدعم صناعة السينما في المملكة. ويستهدف ولي العهد السعودي بذلك أن تصبح بلاده وجهة لصناعة السينما حول العالم؛ مستدلا على ذلك بأن السعودية تنتج فيلم "محارب الصحراء"، المقرر تمثيله كلية داخل المملكة، وهو من بطولة "أنتوني مكاي"، الممثل الشهير بدور "كابتن أمريكا"، إضافة إلى فيلم "قندهار"، والذي سيتم تصويره في منطقة العلا، من بطولة النجم الهوليودي "جيرارد باتلر".
