«عصابة الانقلاب تغتصب 37 جزيرة في النيل».. المصريون أصحاب أرض أم وافدون وعمال لدى باشوات الجيش؟

- ‎فيتقارير

"ما حدش يأخذ حاجة مش بتاعته، هي مش طابونة"، هكذا قرر السفاح  المنقلب السيسي أن ينزع الأرض من أيدي المصريين، ويصادر حقهم في السكن والملكية، وأصدر القرار رقم 18 لسنة 2022، باغتصاب عدد 36 جزيرة نيلية، بالإضافة إلى جزيرة بحرية واحدة، لصالح القوات المسلحة.

الأرض في مصر ليست كل مساحة قابلة للزراعة فحسب، بل وكذلك للاستثمار العقاري والخدمي والصناعي أيضا، وإشكالية الأرض تتجسد في سؤالين: من يملك الحق في الأرض؟ وفي ماذا تُستخدم؟ وهناك سؤال الإدماج والتهميش، سواء في حق الولوج إلى الأرض، أو الاستفادة بما يتعلق بالتنمية الخدمية أو الصناعية أو العقارية التي ستنتج عن تخصيص الأرض، وأخيرا هناك سؤال أيضا، من سينتزع أرضا لصالح من؟ وبأي تكلفة؟

 

ذريعة الاستيلاء

وينص القرار على أن "يُودع نصه وحوافظ بالأبعاد والمساحات التفصيلية لتلك الجزر بمكتب الشهر العقاري المختص بغير رسوم، ويترتب على هذا الإيداع آثار الشهر القانونية".

واستند القرار إلى قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979، والقانون رقم 143 لسنة 1981 بشأن الأراضي الصحراوية، والقانون رقم 102 لسنة 1983 في شأن المحميات الطبيعية، والقانون رقم 7 لسنة 1991 في شأن بعض الأحكام المتعلقة بأملاك الدولة الخاصة.

كما استند القرار إلى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1383 لسنة 2005 بشأن حماية نهر النيل وشواطئه، وصدر استنادا إلى موافقة مجلس الوزراء، وبناء على ما عرضه المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة.

وفي مطلع عام 2016 أصدر السفاح السيسي قرارا بتشكيل لجنة برئاسة مستشاره للمشروعات القومية إبراهيم محلب، باغتصاب أراضي المصريين تحت ذريعة استرداد أراضي الدولة، التي يثبت الاستيلاء عليها بغير حق.

وليست هناك أرقام رسمية معلنة لإجمالي مساحات الأراضي المغتصبة، لكنها تقدر بمئات الآلاف من الأفدنة، وبحسب صحيفة "فيتو"، فإن السرعة في الإجراءات يمكن أن تضمن لعصابة الانقلاب أموالا تبلغ سبعة مليارات جنيه، في الوقت الذي تكشف فيه تقارير دولية أن أكثر من 134 مليار دولار هي حصيلة المنهوب من مصر بعد ثورة 25 يناير 2011.

وفجّرت صحيفة "الفجر" الموالية للعسكر مفاجأة مثيرة، عندما أكدت أن العضو السابق بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، المحافظ الأسبق للوادي الجديد والإسكندرية، اللواء أركان حرب طارق المهدي، يعمل مستشارا لدى شركة متهمة بالتورط في الاستيلاء على أراضي الدولة بالإسكندرية.

ونشر الباحث الصحفي والناشط السياسي أحمد جمال زيادة، دراسة مهمة بعنوان "قرارات رسمية، أراضٍ خصصها السيسي للجيش منذ توليه الحكم" قال فيها إن "القانون يعتبر أن كل الأراضي الصحراوية ملك للقوات المسلحة، لكن يبدو أن القوات المسلحة ترغب في امتلاك أكبر قدر من الأراضي في فترات قصيرة جدا، لأمور اقتصادية بحتة يستفيد منها الجيش فقط".

وأضاف أنه منذ انقلاب السفاح السيسي اتخذ قرارات عدة بتخصيص أراضٍ للقوات المسلحة، وكان أول تلك القرارات، التي اتخذها في 4 ديسمبر 2015، قبيل انعقاد برلمان الانقلاب، بالقرار رقم 446 لسنة 2015 لتنظيم قواعد التصرف في الأراضي والعقارات التي تخليها القوات المسلحة، ونص على الإبقاء على الأراضي المملوكة للجيش بعد إخلائها، وأنه يمكن للقوات المسلحة استغلالها في أي مشاريع خاصة بها بالشراكة مع أجانب.

وأصدر السفاح السيسي القرار رقم 57 لسنة 2016، الذي تم بموجبه تخصيص 16 ألفا و645 فدانا من الأراضي الواقعة جنوب طريق القاهرة السويس للجيش؛ وهي أراضي العاصمة الإدارية الجديدة، وتجمع زايد العمراني، المنتظر الانتهاء من إنشائهما ، من خمس إلى سبع سنوات.

وبحسب زيادة "يبدو أن هناك اتجاها لدى القوات المسلحة بالاستحواذ على الأراضي والعقارات التي سترتفع قيمتها لأهداف اقتصادية تخص الجيش، عن طريق شركات تابعة له"، ما لم تتطرق له الصحافة حاليا هو أن العاصمة الإدارية الجديدة تعد الآن ملكا للقوات المسلحة بقرار رئاسي".

وأشارت الدراسة إلى صدور قرارات جمهورية بتخصيص آلاف الأفدنة لصالح الجيش بدعوى الاستزراع السمكي، وتوظيف الشباب؛ فضلا عن تخصيص الأراضي الصحراوية بعمق 2 كيلومتر على جانبي 21 طريقا جديدا يتم إنشاؤها وإصلاحها حاليا، لوزارة الدفاع.

 

ملف النهب!

ومن جهتهم كشف عدد من من أعضاء برلمان الانقلاب أن استرداد الأراضي المنهوبة يدر دخلا ضخما يكفي لحل الأزمة الاقتصادية في مصر، وعلق عضو لجنة الزراعة بالمجلس، مجدي ملك، في لقائه عبر فضائية "دي إم سي" قائلا "هذا الملف لو تم إنهاؤه من المؤكد أن يُغني مصر، إذا تم استرداد كل الأراضي المنهوبة".

أما الأمين العام لائتلاف "دعم صندوق تحيا مصر"، طارق محمود، فصرح بأنه وفقا للتقارير الأخيرة يبلغ حجم الأراضي المنهوبة في الدولة 16 مليون فدان، وتقدر بقيمة 900 مليار جنيه، وهي ثروة قومية كبيرة بالنسبة للتحديات التي تواجهها الحكومة، وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة، في استعادة تلك الثروة التي ستحل العديد من أزمات الدولة المصرية، على حد قوله.

وبعد الثورة واجه أغلب رجال الأعمال في عهد مبارك ومنهم حسين سالم، هشام طلعت مصطفى، حبيب العادلي، ووزير الإسكان نفسه إبراهيم سليمان، وآخرون ذخرت المحاكم بقضاياهم في هذا الشأن، قضايا فساد تمحور أغلبها حول الاستيلاء على أراضي الدولة سواء بوضع اليد، أو بتخصيص أراضٍ لهم من قبل السلطة بأسعار لا تتناسب مع أسعارها الحقيقية في السوق، وانتهت العديد من القضايا بالتصالح مع الدولة ودفع بعض التعويضات.

ولهذا فلا عجب أنه منذ العام 2005 إلى اليوم، تكررت محاولات العسكر والمستثمرين طرد السكان من مناطقهم، والأمثلة كثيرة ففي عام 2006 دفعت السلطة سكان منطقة "المفروزة" بالإسكندرية لإخلاء مساكنهم بالعنف لصالح توسيع ميناء الدخلية.

وفي عام 2008 استيقظ سكان منطقة طوسون بشرق الإسكندرية على عملية اجتياح شنها الأمن المركزي لطردهم، بعد أن قررت المحافظة وبعض رجال الأعمال الاستثمار العقاري هناك.

وكذلك محاولة الجيش الاستيلاء على جزيرة القراصية بالنيل في القاهرة في 2008 ومؤخرا محاولة الجيش طرد وتهديد سكان جزيرة الوراق لإخلائها، وأيضا نجاح الدولة في إخلاء مثلث ماسبيرو لصالح رجل الأعمال ساويرس.

وتلجأ عصابة الانقلاب عن طريق السفاح السيسي، لتخصيص الأراضي بقرارات جمهورية مباشرة أو بالأمر المباشر، فبعد المخلوع مبارك، يعتمد السفاح السيسي على تخصيص الأرض لصالح القوات المسلحة أو لجهات أجنبية بقرارات جمهورية، مثل قراراته المختلفة التي قامت بتخصيص عدة أراضي لملك البحرين في شرم الشيخ ومعاملته كمصري، أو منح قطعة أرض مساحتها 164 فدانا لأمير الكويت بعدما أصدر قانونا بمعاملته كالمصريين.

ولقد نجح السفاح السيسي في الدخول إلى لعبة الأرض بقوة، ونجح في تحويل الجيش إلى أكبر لص أراضٍ بمصر، فخلال عهد السادات، منح قرار رئاسي حق امتياز إدارة جميع الأراضي غير الزراعية وغير المستثمَرة للجيش، فجعل هذا القرار المؤسسة العسكرية أكبر قيّم على الأراضي الحكومية في البلاد، معطيا سيطرة لا محدودة على الأرض لجهاز إدارة المساحة العسكرية، إحدى إدارات الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة المصرية.

المدهش هو التعامل الأهوج مع المباني المقامة على الأرض الزراعية بالتدمير والهدم باستخدام الجيش والمعدات الهندسية، في مقابل التعامل مع أزمة سد النهضة بالمفاوضات العبثية واستبعاد القوة العسكرية والمعدات الهندسية التي يستخدمها ضد شعبه في إزالة السد كبناء عدواني يخالف القوانين الدولية، رغم أن السفاح السيسي جنرال عسكري منوطة به حماية نهر النيل والحفاظ عليه بكل السبل وفق الدستور الذي وضعه على عينه، لكن الخيانة لمصر معجونة في طينة هذا السفاح.