من مراسي الساحل إلى قلب القاهرة، ومن البحر الأحمر إلى المقطم، نسج رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار خريطة نفوذ اقتصادي فوق أكثر من 25 مليون متر مربع من أرض مصر ليكون ذراعا للكيان الصهيونى يعمل مع نظام الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي .
لهذا تظل خلف البنايات الشاهقة والواجهات البراقة، الأسئلة قائمة حول العقود الاستثمارية الغامضة وغياب الشفافية، في وقت تؤكد المؤشرات أن هذا النوع من الاستثمار لم يكن طوق نجاة للاقتصاد المصري خلال العقد الأخير.
ويثير العبار حالة من الامتعاض بسبب توسع استثماراته خلال السنوات الماضية، وتنوع خريطتها الجغرافية بين القاهرة الكبرى ومدن ساحلية، وعلاقاته مع الكيان الصهيونى فضلًا عن حديثه الأخير، بشأن رغبته في الاستحواذ على أراض ومباني بمنطقة وسط القاهرة التاريخية، التي تطرحها حكومة الانقلاب أمام الاستثمار بعد نقل المباني الحكومية والمقرات الإدارية إلى العاصمة الإدارية الجديدة وهو ما أثار حفيظة المصريين بشكل كبير.
يشار إلى أن العبار بدأ مشوار الاستثمار في مصر منذ عام 2005، وارتبط اسمه بمشروعات كبرى في السوق العقاري، تنامت بشكل ملحوظ بعد عام 2016 إثر التعثر المالي الذي واجهته حكومة الانقلاب، والذى أرغمها على فتح الباب واسعًا أمام الاستثمارات الخليجية .
خلال السنوات العشر الأخيرة وفي الوقت الذي تتمدد مشروعات العبار داخل الأراضي المصرية عن طريق شراء الأراضي لإقامة المنتجعات السياحية والترفيهية وكذلك السكنية، جاءت علاقة العبار بالكيان الصهيونى لتثير الكثير من الشكوك والتخوفات.
استحواذ
من جانبه أعرب طلعت خليل، المنسق العام للحركة المدنية الديمقراطية، عن تخوفه من طبيعة الاستثمارات الإماراتية مؤكدا أنها استحواذ على أراضٍ ومشروعات إستراتيجية، وليست مجرد استثمار إنتاجي.
وقال خليل فى تصريحات صحفية إن محمد العبار يمتلك مشروعات وأراضي في مواقع ذات أهمية إستراتيجية للأمن القومي، مثل أراضي البحر الأحمر، مما يثير علامات استفهام بشأن تأثير هذه الصفقات على الأمن القومي المصري.
وأضاف أن ما يقوم به رجل الأعمال الإماراتي يُثير الريبة والشك، خاصة في ظل علاقاته مع الكيان الصهيوني، محذراً من أن فتح الباب على مصراعيه أمام هذه الاستثمارات دون تقييم دقيق يمثل خطراً محتملاً على الأمن القومي.
وطالب خليل حكومة الانقلاب بالتركيز على الاستثمارات الإنتاجية التي تخلق فرص عمل وتساهم في التنمية الشاملة، وليس مجرد استحواذ على الأراضي والمشروعات القائمة.
ارتفاع الأسعار
وقال محمد رمضان – الباحث الاقتصادي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- إن السؤال الأساسي حول الاستثمارات العقارية الأجنبية في زمن الانقلاب لا يتعلق بحجم الأراضي، بل بالنمط التنموي لهذه الاستثمارات موضحًا أن معظم الاستثمارات الإماراتية والسعودية في القطاع العقاري تتمثل في شراء أراضٍ وبناء وحدات فاخرة مرتبطة بالدولار بسبب الحاجة لتحويل تلك الأرباح للخارج، ما يؤدي لارتفاع أسعار الوحدات العقارية في القطاع ككل وكذلك يؤثر تحويل الأرباح خارج البلاد على المدى الطويل سلبًا على ميزان المدفوعات المصري، ويزيد من الضغوط على العملة المحلية.
وأكد رمضان فى تصريحات صحفية أن القطاع العقاري له ارتباطات خلفية جيدة ببعض الصناعات مثل الحديد والأسمنت، لكنه لا يساهم بشكل كبير في تشغيل الاقتصاد أو تحقيق التنمية المستدامة مقارنة بالمشروعات الإنتاجية، نتيجة لضعف الارتباطات الأمامية للعقارات ككل.
وأشار إلى أن هذا النمط الاستثماري، إذا كان هو الشكل الوحيد لجذب الاستثمارات الأجنبية، لا يخدم النمو الاقتصادي الشامل ولا يخفف من حدة البطالة، كما أنه يعزز الاعتماد على تحويلات الأرباح وليس على استثمارات إنتاجية مستدامة.
وأوضح رضمان أن دور دولة العسكر في تسعير الأراضي ورفع أسعارها، خاصة في مناطق المجتمعات الجديدة، ساهم بشكل كبير في إزاحة السوق ككل نحو الاسعار المرتفعة حتى في الوحدات الموجهة للطبقة الوسطي في مصر.
الاستثمار العقاري
وقال عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، أن أي استثمار أجنبي، خاصة بالدولار، يُعد أمرًا إيجابيًا، محذّرا من الاعتماد على نوع واحد فقط من الاستثمارات.
وأوضح إمام فى تصريحات صحفية أن الاستثمار العقاري مهم، لأنه يشغل نحو 16 مهنة مرتبطة به ويخلق منافسة اقتصادية، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في جذب الاستثمارات الكبرى ذات الطابع الإنتاجي وتوطين الصناعات.
وأضاف : الأراضي غير المستغلة في مصر غالبًا تبقى بلا قيمة مضافة إذا لم يكن هناك استثمار شفاف ومعلن. معتبرًا أن المعيار الأساسي لأي استثمار أجنبي يجب أن يكون الشفافية في الطرح العام والمنافسة العادلة، بحيث يتم اختيار أفضل عرض متاح.
وأشار إمام إلى أن التجربة التاريخية مع الأجهزة الحكومية منذ عام 1952 تظهر أن أي مشروع يظل “ميتًا” دون استثمار فعلي أو قيمة مضافة، بينما الاستثمارات التي تفتح فرص عمل، مثل المطاعم والشاليهات، تعتبر مرحبا بها لأنها تحرك الاقتصاد المحلي.
وحذّر من أن يكون الاستثمار العقاري أو السياحي هو النوع الوحيد الجاذب للاستثمار الأجنبي، لأنه حينها لن يتحقق التوازن المطلوب في الاقتصاد، ولن يُنشأ قطاع إنتاجي مستدام قادر على توظيف القوى العاملة وتوطين الصناعات.
وأكد إمام أن انتقاد أي صفقة—مثل صفقة رأس الحكمة—يتمحور حول مسألة الشفافية وليس معارضة الاستثمار ذاته، حيث يمكن أن تكون أي جهة، بما في ذلك الإمارات، الفائز في العطاء إذا كان العرض جيدًا وشفافًا.
