بعد التخلص من “الحرية والعدالة الاجتماعية”.. الانقلاب يحذف المطلب الأول لثورة يناير!

- ‎فيتقارير

بعد أن جرّب السيسي قدرته على قمع الحريات واعتقال مئات الآلاف من المصريين والزج بهم في أنفاق السجون والإخفاء القسري والإهمال الطبي والقتل المتعمد في مراكز الاحتجاج، وإهداره كرامة ملايين المصريين في الداخل والخارج في دوائر العمل والحياة والصحة والتعليم وفي دوائر الحكومة المختلفة، حتى بات المصري رخيصا في بلده وفي خارج بلده، انتقل السيسي إلى المطلب الأخير لثورة 25 يناير، وهو العيش، والذي كان يتصدر مطالب ميادين مصر "عيش..حرية..كرامة إنسانية" أو عدالة اجتماعية انتُهكت في كل المناحي وبات الشعب المصري شعبين، من العبيد والأسياد.

وجاء الدور على دهس أهم مطالب ثورة يناير ليمحو السيسي أية معالم لحقوق المصريين التي ثاروا من أجلها وقدموا أرواحهم وحرياتهم من أجلها.

وعقب ترهات السيسي وأكاذيبه المتعمدة خلال افتتاح مدينة غذائية بمحافظة المنوفية، التابعة للجيش المصري لإنتاج المكرونة والبسكويت، سارعت الدوائر الحكومية دراسة رفع سعر الخبز المدعم في أسرع وقت بناء على توجيهات السيسي التي صدمت أكثر من 65 مليون مصري من مستحقي الدعم التمويني.

وفي تصريحات عاجلة، قال وزير التموين بحكومة الانقلاب علي مصيلحي، إنه "سيتم فورا دراسة زيادة سعر رغيف الخبز المدعم، وعرض الأمر على مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن".

وأضاف مصيلحي أن "الدولة تعمل على إعادة صياغة فاتورة الدعم بحيث يشمل كافة الجوانب، بحسب صحيفة "الوطن" المقربة من الانقلاب العسكري".

ولم يكشف "مصيلحي" قيمة الزيادة المتوقعة في سعر الرغيف المدعم، بعد ما طالب السيسي برفع سعره.

ويستفيد من دعم رغيف الخبز، 65.3 ملايين فرد، بواقع 5 أرغفة للمواطن يوميا، وهم من الفئات المُعدمة في المجتمع المصري، من أصحاب المعاشات والأرامل ومستحقي معاش تكافل وكرامة والمهنيين والعاطلين عن العمل ومحدودي الدخل والفئات المهمشة بالمجتمع والذين لا يزيد راتبهم عن 2400 جنيها، وفق حصر وزارة التموين.

 

الأكاذيب وسيلة السيسي للترويج لزيادة الخبز

واعتمد السيسي في خطابه الأخير وغيره من الخطابات السابقة في الترويج لمخططاته الوحشية لإسكات الشعب بإشغاله بلقمة العيش وإلهائه عن التفكير في أوضاعه التي باتت أشد بؤسا، على الأكاذيب ومنها، ما أثاره بالأمس، من أن سعر الرغيف الذي يباع بـ 5 قروش يتكلف 65 قرشا على الدولة، وذلك على الرغم من أن الرغيف الحر الذي يزيد وزنه عن الرغيف التمويني وبجودة أعلى يباع في السوق المصري الحر بـ 50 قرشا فقط، بما يقل عن السعر الذي ذهب إليه السيسي بنحو 15 قرشا، أي ما يعادل 20% من سعر السيسي، مع زيادة في الوزن وجودة في التصنيع.

 

هل أمِنَ ثورة الشعب؟

ويعتبر مساس السيسي بعيش الشعب عن مدى ما وصل إليه السيسي من بطش للشعب، اطمأن بمقتضاه السيسي لعدم ثورة المصريين ضده، إلا أن هذا الأمن وقتي وقد يتبعثر في ثوان، إذ أن الشعب المصري ليس له كتالوج، قد يثور في أي لحظة رغم صبر مرير لسنوات طوال، كما فعل مع المخلوع حسني مبارك.

وقد أكد السيسي خلال إعلانه عن مخططه لرفع سعر الخبز المدعوم، أنه "فضل الإعلان عنه على الملأ، بدلا من تفويض الحكومة بإعلانه "عشان أشيل الشيلة بنفسي" على حد تعبيره".

 

تصريف بسكويت الجيش

وبكل بجاحة برر السيسي تخفيفه الدعم عن الخبز لتغطية احتياجات التغذية المدرسية، والتي تُقدم على هيئة بسكويت وعصير أو لبن من إنتاج مصانع الشركة الوطنية التابعة للجيش، وأوضح السيسي أن الزيادة في سعر الخبز ستمول جزءا من قيمة 8 مليارات جنيه ستنفق على دعم الوجبات المدرسية الجديدة للتلاميذ، والتي ستتكلف نحو 7 جنيهات للوجبة الواحدة، وسيدخل فيها مكون بروتيني جديد هو الألبان.

ويأتي حديث السيسي عن التغذية المدرسية؛ لامتصاص غضب الشعب، إذ أن التغذيية المدرسية غالبا ما يتم صرفها قبيل امتحانات الفصل الدراسي الأول وغالبا ما يكون الطلاب منقطعين عن الدراسة، كما أن ظروف كورونا الممتدة منذ عامين دراسيين جعلت أغلب الطلاب يستغنون عن المدارس والانتظام في الدروس والسناتر التعليمية، ويكون مصير التغذية أدراج عمال المدارس وبعض المدرسين والإداريين وفي دواليب موظفي الإدارة التعليمية ويجري تستيف الأوراق بشأن صرفها، وفق شهادات معلمين وأولياء أمور، أي أن المستفيد من التغذية المدرسية هم بعض الموظفين ومصانع الجيش التي يفتتحها السيسي يوميا، سواء التابعة للشركة الوطنية أو مؤسسات الجيش الاقتصادية.

كما أن الطلاب المستفيدين بالتغذية المدرسية يحتاجون أكثر للخبز من البسكويت، كما يسعى السيسي لتوفير الدعم المخصص للخبز من أحد بنود مشاريعه الفنكوشية أو قصوره الرئاسية التي تتكلف مليارات الدولارات.

 

التلاعب بأرقام الدعم

كما تكشف المعلومات بوضوح "مواصلة السيسي نشر الأرقام المتضاربة حول مخصصات الدعم، لا سيما إثر تصريحه أمس، أن رغيف الخبز المدعوم على بطاقات التموين يكلف خزانة الدولة 65 قرشا، مقابل بيعه بـ 5 قروش فقط، علما أنه يقل بطبيعة الحال عن الوزن الرسمي المحدد بـ 90 غراما، في حين يبلغ سعر الرغيف الأكثر وزنا في المخابز غير الحكومية الهادفة للربح 50 قرشا على أقصى تقدير".

إعلان السيسي زيادة مرتقبة في ثمن رغيف الخبز، السلعة الأهم للملايين من المصريين البسطاء، جاء بعد أشهر قليلة من قرار وزارة التموين تخفيض وزن الرغيف المدعم للمرة الثانية من 110 غرامات إلى 90، بعدما كان 130 غراما، ما يعني ارتفاع سعره أكثر من 30%، في عملية سرقة موصوفة لدعم الخبز، بدعوى أن وزن الرغيف لم يكن يتعدى 91 غراما في كثير من المحافظات، استنادا إلى محاضر مثبتة لدى الوزارة.

وفي 18 يناير الماضي، أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، أمام مجلس النواب، أن عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز انخفض من 81 مليون مواطن إلى 71 مليونا، بذريعة استبعاد الأسماء المُكررة وغير المستحقة للدعم، وكذلك الحال مع المستفيدين من دعم السلع التموينية (انخفض العدد من 68 مليونا إلى 64)، إثر تنقية بطاقات التموين من غير المستحقين للدعم، وفقا للمعايير التي أقرتها الوزارة.

ويبلغ دعم الخبز والسلع التموينية في موازنة الدولة للعام المالي 2021-2022 نحو 87.2 مليار جنيه، وهو البند الأخير في منظومة الدعم الحكومية للمواطنين، عقب تحرير أسعار بيع المنتجات البترولية والكهرباء والغاز الطبيعي ومياه الشرب؛ استجابة من الحكومة لاشتراطات صندوق النقد الدولي، للحصول على قروض من الصندوق بلغ إجماليها 20 مليار دولار تقريبا خلال السنوات الخمس الأخيرة.

 

غذاء الفقراء

ويمثل رغيف الخبز المكون الغذائي الأساسي لنحو 80% من المصريين، والذين تحاصرهم الأزمات المعيشية من كل جانب، في وقت يرى فيه المواطن أن رغيف الخبز المدعوم لا يصلح للاستخدام الآدمي، نتيجة تردي حالته في جميع المخابز، وانخفاض وزنه إلى أقل من 80 غراما؛ بمباركة من مفتشي وزارة التموين الذين يمرون على الأفران، ليس للتفتيش على أصحابها، لكن للحصول على الرِشى المالية، وفقا لمراقبين.

 

علي مصيلحي العسكري المطيع!!

ومنذ تولى وزير التموين الحالي منصبه في فبراير 2017، وهو ينفذ خطة عاجلة بتوجيهات من السيسي لإلغاء الدعم، بدأت بالتعسف في قيد المواطنين والمواليد الجدد في البطاقات التموينية، والحذف العشوائي لملايين المقيدين، وإلغاء التعامل بالبطاقات الورقية، وتخفيض حصص المخابز لما يتراوح بين النصف والثلث، وما ترتب على ذلك من توقفها عن صرف الخبز للمواطنين، وخروج الآلاف منهم في تظاهرات متفرقة في العاصمة القاهرة، ومحافظات عدة.

ومع قفز السيسي إلى الحكم في عام 2014، طبقت الحكومة سياسات مؤلمة للفقراء ومحدودي الدخل، خصوصا عقب الاتفاق مع صندوق النقد في نوفمبر 2016، على تطبيق برنامج اقتصادي تضمن تحرير سعر صرف الجنيه، ما أفقد العملة نحو 70% من قيمتها أمام الدولار، فضلا عن زيادة ضريبة القيمة المضافة، وغيرها من الإجراءات التي فاقمت الغلاء.

 

مزيد من الفقر

وعلى إثر سياسات السيسي الوحشية اقتصاديا، فمن المرجح زيادات سعرية متنوعة تشهدها السوق المصرية بما يفاقم معاناة الفقراء، الذين يزيد عددهم عن 55% وفق تقديرات اقتصادية  في ظل تصاعد الغلاء، والزيادات المتواصلة على أسعار السلع والخدمات والضرائب. ومع تفشي جائحة كورونا في البلاد في الربع الأول من العام الماضي؛ تزايدت حدة معاناة المصريين جراء فقد الملايين من العاملين في القطاع الخاص وظائفهم. ووفق دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن 50.1% من الأسر المصرية أضحت تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات من الأصدقاء والأقارب، لتغطية احتياجاتها المعيشية منذ بداية الأزمة.

وأشارت بيانات الجهاز إلى أن 73.5% من المصريين المشتغلين انخفضت دخولهم بسبب تداعيات الجائحة، ونحو 90% منهم خفّضوا استهلاكهم من اللحوم والفاكهة، و36% لكميات الطعام، و20% لعدد الوجبات؛ بينما لجأ نحو 92% منهم إلى الطعام الرخيص بسبب انخفاض الدخل.

وتكمن الأسباب الحقيقية لانتشار الفقر في مصر خلال السنوات الأخيرة، في توسع النظام في الاقتراض من الخارج، والخضوع لاشتراطات المؤسسات المانحة بشأن إلغاء الدعم، وزيادة الضرائب والرسوم لتخفيض حدة العجز في الموازنة العامة؛ وذلك للشروع في تنفيذ مشروعات "كبرى" لا تستهدف إلا الترويج للسيسي، من دون أن يكون لها عائد اقتصادي، على غرار "تفريعة" قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة.

وهكذا يفاقم السيسي معاناة الفقراء ويزيد في رفاهية وتمكين الأثرياء بخدمات متميزة لقطارات فائقة السرعة ومدن حديثة وخدمات ترفيهية محصنة في شرق وغرب البلاد، مطمئنا إلى أن الثورة باتت بعيدة عن نظامه إلا أنها أقرب إليه من شراك نعله.