«منْ رأى منْكم مُنكرًا فليغيِّرْه..»

- ‎فيمقالات

الأمرُ بالمعروفِ والنهىُ عن المنكرِ فرضٌ فى الدين، على الكفاية؛ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]، جعله الله نصرة للدين ودفاعًا عن الحق؛ (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُركُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، وقدمه (سبحانه) على الإيمان؛ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]. 

وإضاعته تسبب الكوارث، وتفرّق الأمة وتفسد القلوب، وتظهر الرذائل وتخفى الفضائل، وتهضم الحقوق.. وتاركه معاقب؛ «والذى نفسى بيده لتأمُرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لك» [رواه أحمد].
 وأشد الناس عقابًا: الآمرون بالمعروف الناسون أنفسهم؛ (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُون) [البقرة: 44]، «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق أقتاب بطنه -أى أمعاؤه- فيدور فى النار كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهلُ النار فيقولون: مالك يا فلان؟! ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! قال: فيقول لهم: بلى، ولكنى كنتُ آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه» [متفق عليه]. 

والقائمون بهذا العمل (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) هم المؤمنون حقًّا، الفائزون برحمة الله، الموعودون بجنته؛ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71، 72]، والله يمدحهم، ويثنى عليهم (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 113، 114].  

وهذه الفريضة موجودة منذ جاءت الرسل ومنذ عرف الناس الدين؛ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون) [المائدة: 78، 79]. 

ومراتب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ثلاث: الإنكار باليد، وباللسان، وبالقلب؛ لحديث النبى ﷺ: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم]. 

– أما الإنكار باليد، فيكون مع القدرة، فى محيط الأهل والولد، ومن له ولاية كالحاكم والسلطان، لقول عثمان (رضى الله عنه): «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». 

– والإنكار باللسان، يكون بالحكمة، والرفق، وألا يترتب عليه ضررٌ أكبر؛ (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…) [النحل:125]، ولقول النبى ﷺ: «إن الله يحب الرفق فى الأمر كله».

 – أما الإنكار بالقلب  فليس بعده شىء، ومن لم يقم به فهو إمعة لا قيمة له، وأقل القليل أن ينِكر قلبك ما يُرتكب من معاصٍ، وإلا صرت عاصيًا كالعاصين؛ (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140]. 

ومما يجعل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أكثر إلحاحًا الآن عما مضى: انتشار الرذيلة وانحسار الفضيلة، وغلبة الشر على الخير، وكثرة المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون -كما أخبر النبي ﷺ: «ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» [رواه مسلم].