شهد شهر نوفمبر 2025 تصاعدًا خطيرًا في أعداد الوفيات داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية، سواء بين المعتقلين السياسيين أو الجنائيين، في مشهد يعكس أزمة إنسانية متفاقمة، نتيجة الإهمال الطبي وسوء أوضاع الاحتجاز.
وكانت وفيات نوفمبر داخل سجون السيسي، سواء بين سياسيين مثل علاء عزب وحمدي محمد ومحمد جمعة وأحمد محمود، أو بين مواطنين غير سياسيين مثل أحمد مصطفى، تكشف عن أزمة إنسانية عميقة في منظومة السجون.
عوامل القتل البطيء تنوعت بين الإهمال الطبي، والعزل التعسفي، وحرمان المعتقلين من حقوقهم الأساسية كالعلاج والزيارات، أدت إلى وفاة أشخاص كان يمكن إنقاذ حياتهم لو توفرت لهم الرعاية اللازمة.
وقال حقوقيون منهم مركز الشهاب لحقوق الإنسان وعدالة لحقوق الإنسان: إنه "بظل هذه الوقائع تضع سلطات الانقلاب أمام مسؤولية جسيمة، وتستدعي تحركًا عاجلًا لمحاسبة المسؤولين وضمان حماية حياة كافة المحتجزين، في ظل مطالبات حقوقية محلية ودولية بوقف سياسة القتل البطيء عبر الحرمان من العلاج".
التقارير الحقوقية الصادرة خلال الشهر وثّقت ما لا يقل عن ثلاث وفيات بارزة، إلى جانب حالات أخرى متفرقة، لتضاف إلى سلسلة طويلة من الضحايا الذين فقدوا حياتهم في ظروف، كان يمكن تفاديها لو توفرت لهم الرعاية الصحية والحقوق الأساسية.
وفاة البرلماني السابق علاء عزب
في الأول من نوفمبر، أعلنت أسرة الدكتور علاء عزب، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة زفتى بمحافظة الغربية، وفاته داخل سجن بدر بعد أكثر من 12 عامًا من الاحتجاز التعسفي.
عزب، البالغ من العمر نحو 60 عامًا، كان يقضي حكمًا بالسجن المؤبد في قضايا سياسية منذ عام 2013، نُقل إلى مجمع سجون بدر عام 2022، حيث وصفت منظمات حقوقية السجن بأنه "مقبرة الأحياء" بسبب الانتهاكات الواسعة داخله، أسرته أكدت أن وفاته جاءت نتيجة تدهور حالته الصحية الحادة – من أمراض قلبية وقصور كلوي – وسط حرمان تام من الرعاية الطبية رغم مناشدات متكررة لنقله إلى مستشفى خارجي. منظمة "عدالة لحقوق الإنسان" حمّلت السلطات المسؤولية الكاملة، واعتبرت ما جرى "جريمة إنسانية"، داعية إلى تحقيق مستقل وضمان الإفراج عن جميع المعتقلين المرضى والمسنين.
وفاة المعتقل محمد جمعة في وادي النطرون
بعد ساعات من وفاة عزب، شهد سجن وادي النطرون وفاة المعتقل محمد جمعة، المحكوم بالإعدام في قضية "قسم العريش"، جمعة قضى أكثر من 13 عامًا في ظروف وُصفت بأنها غير إنسانية، متنقلاً بين سجن طرة والعقرب شديد الحراسة، قبل أن يُنقل إلى وادي النطرون بعد إغلاق العقرب عام 2022، قبل أسبوعين من وفاته، شعر بآلام في الصدر واستغاث بزملائه، لكن الاستجابة الطبية تأخرت حتى فارق الحياة.
المنظمات الحقوقية اعتبرت وفاته مثالًا صارخًا على الإهمال الطبي المتعمد، خاصة أنه لم يتلقَّ أي إسعاف رغم استغاثته. قضية "قسم العريش" نفسها أثارت جدلًا واسعًا منذ صدور أحكام الإعدام الجماعية بحق 14 متهمًا عام 2014، وسط انتقادات محلية ودولية بأنها افتقدت لضمانات المحاكمة العادلة.
وفاة أحمد محمود داخل سجن الجيزة
في 8 نوفمبر، توفي المعتقل أحمد محمود محمد سعيد (48 عامًا) داخل سجن الجيزة العمومي (الكيلو 10 ونص)، بعد معاناة طويلة مع سرطان الغدة في مرحلة متقدمة، رغم صدور قرار بإخلاء سبيله في أكتوبر 2022، جرى تدويره على قضية جديدة ليستمر احتجازه، الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أكدت أن إدارة السجن رفضت نقله لتلقي العلاج الكيماوي في مركز متخصص، واكتفت بإجراءات شكلية غير مناسبة، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية حتى وفاته. وفاته سلطت الضوء على سياسة "التدوير القضائي" التي تحرم المعتقلين من تنفيذ قرارات الإفراج، وتطيل مدة احتجازهم رغم تدهور حالتهم الصحية، في مخالفة صريحة للقانون والدستور المصري.
وفاة حمدي محمد بسجن المنيا
وفي 10 نوفمبر أعلن استشهاد، المعتقل حمدي محمد محمد محمد (63 عامًا)، من قرية وادي الريان التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وذلك داخل سجن المنيا، بعد معاناة طويلة مع المرض وغياب الرعاية الصحية الملائمة.
وكان الفقيد، الذي يعمل مزارعًا، محتجزًا منذ نحو عامٍ ونصف، وجرى نقله قبل أربعة أشهر من مركز يوسف الصديق إلى سجن المنيا، عقب صدور حكم بحبسه عشر سنوات في القضية المعروفة إعلاميًا باسم "اقتحام مركز شرطة يوسف الصديق".
وخلال فترة احتجازه، عانى الحاج حمدي من أمراض مزمنة في القلب، وخضع لعملية قلب مفتوح وتركيب دعامات، إلا أن إدارة السجن لم توفر له الرعاية الطبية اللازمة، رغم تدهور حالته الصحية وحاجته الماسة إلى علاج مستمر وإشراف طبي متخصص.
وفيات أخرى موثقة خلال نوفمبر
إلى جانب هذه الحالات الثلاث، كشف تقرير مركز الشهاب لحقوق الإنسان عن وفاة المواطن أحمد مصطفى (35 عامًا) داخل قسم شرطة إمبابة بالجيزة في 10 نوفمبر، وسط شبهات قوية حول تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة. أسرته تعرضت لضغوط للتوقيع على إقرار بأن الوفاة ناتجة عن "هبوط حاد في الدورة الدموية" مقابل استلام الجثمان، كما أشار التقرير إلى وفاة والدة السجين السياسي محمد القصاص في 6 نوفمبر دون أن يتمكن من رؤيتها أو وداعها، ووفاة شقيق الصحفي والنائب السابق محسن راضي في 25 نوفمبر، بينما يعيش الأخير في عزلة كاملة منذ أكثر من 12 عامًا دون زيارات أو تواصل مع أسرته.
هذه الوقائع أبرزت انتهاك الحق الإنساني الأساسي في التواصل مع الأسرة، وهو ما يزيد من المعاناة النفسية والاجتماعية للمعتقلين.
حالات خلال 2025
وهناك حالات وفاة أخرى داخل سجن ليمان المنيا نتيجة الإهمال الطبي، إلى جانب وفاة المعتقلين حمدي محمد وصالح عايد، من أبرزها وفاة جمال صاوي (70 عامًا) وتامر حسني دسوقي (56 عامًا) خلال عام 2025.
وتوفي جمال أحمد صاوي إبراهيم (70 عامًا) في 24 يونيو 2025 داخل السجن بعد معاناة طويلة مع تليف حاد في الكبد أدى إلى تورم جسده واحتباس السوائل، ودخل في غيبوبة عدة أيام دون أي تدخل طبي مناسب، رغم المناشدات المتكررة من أسرته ومنظمات حقوقية.
وتوفي تامر حسني عبد الحميد دسوقي (56 عامًا) في 11 أغسطس 2025 نتيجة هبوط شديد في كفاءة القلب (20%) ومضاعفات مرض السكري، وأوصى طبيب السجن بنقله إلى مستشفى خارجي، لكن إدارة السجن رفضت، ما أدى إلى وفاته داخل محبسه.
وتوفي المعتقل صالح عايد ربيع (40 عامًا) بسجن المنيا شديد الحراسة (ليمان 1) وتاريخ الوفاة كانت في 13 أكتوبر 2025 حيث أصيب قبل نحو عام بورم في الرقبة تطور إلى سرطان انتشر في أنحاء جسده.
وفي سجن الجيزة استشهد عبد السلام محمود صدومة في 2 يناير بحالة سرطان متقدمة، واستشهد وليد أحمد طه بأغسطس داخل قسم شرطة شبرا الخيمة بظروف احتجاز سيئة بعد مشاجرة، واستشهد حازم فتحي في أغسطس بقسم شرطة نجع حمادي بتعذيب حتى الموت داخل الحجز، كما استشهد الشيخ علي حسن عامر (77 سنة) أغسطس بسجن وادي النطرون بأمراض مزمنة، واستشهد عبد الفتاح عبد العظيم عطية في ديسمبر 2024 (موثق في 2025) بمركز بدر 3 نتيجة فشل كلوي وكبدي، بالإضافة إلى حالات أخرى لم تُذكر أسماؤها علنًا، لكن تم توثيقها ضمن تقارير شهرية من مركز الشهاب ولجنة العدالة.
والعدد الحقيقي قد يكون أعلى بسبب ضعف الشفافية ومنع الزيارات والوفيات ليست فردية بل نمط ممنهج، كما تؤكد المنظمات الحقوقية، وغياب الرقابة القضائية على أماكن الاحتجاز يفاقم الأزمة، كما أن سياسة التدوير القضائي تحرم المعتقلين من تنفيذ قرارات الإفراج، مما يطيل مدة الاحتجاز
رغم تدهور الحالة الصحية.
وطالب حقوقيون بتفعيل الإفراج الصحي وفقًا للمادة 486 من قانون الإجراءات الجنائية، وتشكيل لجنة طبية مستقلة لمراجعة أوضاع السجون، ووقف سياسة التدوير ومنع الاحتجاز التعسفي، ومساءلة المسؤولين عن الإهمال الطبي والوفاة داخل السجون.
التقارير الحقوقية الصادرة خلال نوفمبر أكدت أن هذه الوفيات ليست حوادث فردية، بل جزء من نمط ممنهج من الإهمال الطبي وسوء المعاملة داخل سجون السيسي.
وأشار مركز الشهاب إلى أن شهر نوفمبر وحده شهد ثلاث حالات وفاة موثقة داخل الحجز، تضاف إلى ما لا يقل عن 16 حالة منذ مطلع العام 2025، من بينهم شباب وكبار سن وحتى طفل.
وشددت المنظمات على أن غياب الرقابة القضائية على أماكن الاحتجاز، ومنع الزيارات، وضعف الشفافية، كلها عوامل تفاقم الأزمة وتزيد من احتمالات وقوع وفيات جديدة.
