“دار الإفتاء العسكرية”.. تغسل عار إعدامات السفاح بتغريدات تحرض على قتل الإخوان

- ‎فيتقارير

لم يحسب جنرال إسرائيل السفيه السيسي أن جرائم القتل التي أقدم عليها، أمس الأربعاء، بحق تسعة من الشباب أنها لن تمر مرور الكرام، حالة من السخط والغضب تنتاب الجميع، أسهمت فيها مقاطع الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي نقلت كلمات أمهات الشهداء وهن يشيعن أولادهن ويرددن أنهم شهداء، وأن دماءهم ستلعن قاتلهم، وتلعن أيضًا الشيطان المؤيد والساكت عن قول الحق.

وفيما يبدو أن مفتي العسكر السابق “علي جمعة” لا يزال “أدمن” صفحة “الدار” التي لا تختلف عن دور القوات المسلحة المنتشرة على طول وعرض نهر النيل، حتى إنه يمكن بكل بساطة أن تسميها دار الإفتاء العسكرية. تقول في آخر تغريدة رصدتها (الحرية والعدالة): “جماعة الإخوان الإرهابية خوارج العصر أعداء مصر، نشروا الدمار والخراب باسم إقامة الدين، لم يقدموا عبر تاريخهم أي منجز حضاري يخدم وطنهم أو دينهم، اللهم إلا الشعارات الجوفاء والخطب الرنانة”.

وتلك ليست المرة الأولى أن تصطف دار الإفتاء مع العسكر، فمنذ إنشائها في مصر أوكلت إليها وظيفة وضع “ختم الشرع” على جرائم العسكر؛ حتى يتوهم المصريون أن القتل والقمع والانتهاكات والإعدامات والخطف والإخفاء القسري، كلها تتم وفق الكتاب والسنة وعلى هدي سلف الأمة!.

رائحة أحمد موسى!

ولا تختلف صياغة “تغريدة” دار الإفتاء العسكرية عما يهذي به الإعلامي أحمد موسى أو عزمي مجاهد، حتى إن قارئ التغريدة قد يظن لأول وهلة أنه دخل بالخطأ على صفحة أحد الإعلاميين المطبلين للسفيه السيسي. تقول الناشطة إيمان محمد: “لأول مرة في تاريخ مصر تشزّ دار الإفتاء عن مؤسسة الأزهر الشريف ومبدئه في حرمة التكفير دون أدلة ثبوتية، ليخرج علينا مخبر في صورة أدمن يهذي بكلام علي جمعة الدرويش، وإن دل فإنما يدل على إحساس بالمشاركة في قتل الشباب الطاهر في جريمة ملفقة، أو أنه تم إبعاد الأدمن الحقيقي واستُبدل بأمن وطني”.

ويقول الناشط أحمد الديب: “هل يمكن أن نُعمم نعت جميع المنتمين للإخوان المسلمين بالخوارج؟ وهل ما يقوم به كل علماء الأزهر ورجالاته متوافق مع الدين؟ ماذا عن دعم الشيخ الطيب لبقاء مبارك في الحكم ونشر ذلك عبر الوسائط الرسمية ثم دعمه لتحرك الجيش ضد مرسي؟”.

ومنذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، في صيف 2013، بدأ التوظيف السياسي للفتاوى في مصر؛ حيث تحوَّل الأمر إلى “هوس” لدى من يُطلق عليهم على مدار التاريخ “شيوخ السلطان”، وأبرز من سخر الفتوى لخدمة العسكر مفتي العسكر السابق علي جمعة، بعشرات الفتاوى المثيرة للجدل، والمؤيدة للانقلاب العسكري والداعمة للسفيه السيسي.

وشبّه “جمعة” مظاهرات 30 يونيو التي مهَّدت للانقلاب على الرئيس مرسي بأنها “من أيام الله”، وقال إنَّ “ثورة 30 يونيو مثل فتح مكة ومثل يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكون الله أزاح خلالها الغمة عن تلك الأمة، وأزال دولة الفاسقين الفاسدين المجرمين”.

وأضاف “جمعة” أن “يوم الله هو اليوم الذي انتصر فيه المؤمنون على الكافرين والفاسقين والمفسدين والمجرمين، وكل ذلك تجمع في فئة من البشر أعماهم الحقد ووهم الاستيلاء على الحكم، لكن الله خذلهم عبر 90 عامًا، ولم يوفقهم أبدًا؛ حيث كانوا دائمًا في صراع مع المؤمنين والمسلمين والأوطان”.

فتاوى عسكرية

البداية كانت مبكرة وقوية حتى قبل تولي السفيه السيسي الحكم؛ ففي أكتوبر 2013، حرّض علي جمعة، علنًا على قتل المعتصمين في ميدانَي رابعة والنهضة، المؤيدين لشرعية الرئيس محمد مرسي، قائلاً: “طوبى لمن قتلهم وقتلوه”، وفي فبراير 2014، شبّه الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، السفيه السيسي وزير الدفاع وقتها ووزير الداخلية محمد إبراهيم بالنبي موسى وأخيه هارون، معتبرًا أنهما من رسل الله.

وفي أغسطس 2015، قال جمعة خلال برنامجه “والله أعلم”، على قناة “سي. بي. سي” الفضائية: إنّ “الأمير الآن يمثّله السيسي، ويجب طاعته وعدم عصيانه”، مسترشدًا بأحاديث نبوية، وتعددت تصريحات المشايخ المشيدة بجنرال إسرائيل والمهاجمة لمعارضيه؛ حيث أجاز أستاذ الشريعة بالأزهر الدكتور عطية عبد الموجود، فبراير 2015، للسفيه السيسي أن يفقأ عيون المصريين إن كان ينفِّذ في ذلك شرع الله!.

وإلى جانب ذلك، أفتى أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة، بتجريم ترديد شعار “يسقط حكم العسكر”، وتخطى الأمر كل ما سبق؛ حتى أصبح الطلاق على حسب الهوية؛ حيث أفتى إمام وخطيب مسجد عمر مكرم المشهور والواقع في ميدان التحرير، أيقونة الثورة المصرية في يناير 2012، “مظهر شاهين”، قائلًا: “كل زوج يجد زوجته تابعة للإخوان عليه أن يطلقها”، وذلك على غير دليل من الكتاب والسنة.

وفي اليوم التالي لهذه الفتوى، خرجت عضو لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل، عميدة كلية الدراسات الإسلامية بنات في جامعة الأزهر سابقًا، الدكتورة سعاد صالح، بفتوى تبيح “فسخ خطبة الشاب من خطيبته إذا كانت تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، بدعوى الحفاظ على الأسرة والدين ومصلحة العائلة والوطن”.

وتكتمت دار الافتاء في 2013 على تقريرها الانقلاب على مرسي، وهو ما يفيد بأن التقرير لم يكن معدا لمخاطبة العامة كما يقتضيه البيان الشرعي، وهذا التكتم يحيل إلى دلالتين: فهو إما أنه تقرير استُخدم ذريعة لتسويغ الانقلاب العسكري في حينه، أو أنه تقرير معدّ للاستعمال-قضاء- في مجريات محاكمة مرسي، لأن المفتي هو الذي يمثل الشريعة أمام الدولة، وهي المصدر الثالث الذي تُستمد منه الأحكام إذا لم يُسعف القانون والأعراف في ذلك، وهو ما عجزت سلطات الانقلاب عن توفيره حتى الآن في المحاكمة.

شيوخ الأمن!

ومن التحريض على قتل المعارضين للانقلاب وتكريس القطيعة المجتمعية، يأتي الداعية السلفي محمد سعيد رسلان، ليفتي بحرمانية الترشح أمام السيسي، في مسرحية الانتخابات الرئاسية الأخيرة في النصف الأول من العام 2018، لافتًا إلى أنه هو “ولي الأمر”.

هذا اللون من الفتاوى العسكرية، أشد ما يكون غرابة حينما يتصدر المشهد مشايخ السمع والطاعة لولي الأمر؛ إذ أنهم بدلا من أن يكونوا صوتًا عاقلًا يسهم في إنهاء النزاعات والخلافات بين الدول، تراهم بانحيازهم إلى ولي أمرهم يكرِّسون واقع الفرقة والشقاق والنزاع.

ولكن المتابع لمسار الأزهر، أعلى سلطة إسلامية في مصر، يرى أنه ليس هناك غضاضة من تمرير الفتاوى السابقة، ولِمَ لا؟ فشيخه الدكتور أحمد الطيب، عضو سابق في لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، كما كان من الرافضين لثورة 25 يناير، وأما في الـ30 يوينو فلم يَتَبَنَّ نفس الموقف، حيث شارك في اجتماع إعلان الانقلاب في الثالث من يوليو 2013، على الرئيس محمد مرسي.

يقول الكواكبي في كتابه الأشهر طبائع الاستبداد: “إنه ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قداسة يشارك بها مع الله أو تعطيه علاقة مع الله، ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله”، لكأن الكواكبي يعيش اليوم في رياض بلاد الحرمين أو مر بالمحروسة القاهرة أو زار دمشق المقهورة أو مر بديار بغداد والموصل، ليتهم لم يتكلموا، فالسكوت كان سيعطيهم مكانة واحترامًا، على الأقل لن نعلم أنهم كانوا يضحكون علينا بدموعهم ويخدعوننا بدموعهم وخشيتهم المصطنعة ولباسهم المستورد ولحاهم المزيفة.